( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن     ) أي والرابع مما أتلوه عليكم من وصايا ربكم ألا تقربوا ما عظم قبحه من الأفعال والخصال كالزنا واللواط وقذف المحصنات ونكاح أزواج الآباء ، وكل منها سمي في التنزيل فاحشة ، فهو مما ثبتت شدة قبحه شرعا [ ص: 165 ] وعقلا ، ولذلك يستتر بفعل الأولين أكثر الذين يقترفونهما ، وقلما يجاهر بهما إلا المستولغ من الفساق الذي لا يبالي ذما ولا عارا إذا كان مع مثله ، وهو يتبرأ منهما لدى خيار الناس وفضلائهم ، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا ويعدونه أكبر العار ، ولا سيما إذا وقع من الحرائر ، فكان وقوعه منهن نادرا ، وإنما كان يجاهر به الإماء في حوانيت ومواخير تمتاز بأعلام حمر فيختلف إليها أراذلهم ، وأما أشرافهم فيزنون سرا ممن يتخذون من الأخدان كما سبق بيانه في تفسير ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان    ) ( 4 : 25 ) والخدن الصديق يطلق على الذكر والأنثى ، ويعبرون بمصر عن خدن الفاحشة بالرفيقة والرفيق ، وعن المخادنة بالمرافقة ، وهو عند فساقهم فاش ولا سيما الأغنياء منهم ، روي عن  ابن عباس  رضي الله عنه في تفسير الآية أنه قال : كانوا في الجاهلية لا يرون بأسا بالزنا في السر ويستقبحونه في العلانية  ، فحرم الله الزنا بالسر والعلانية ، أي بهذه الآية وما في معناها ، وليس هذا تخصيصا للفواحش ببعض أفرادها كما ظن بعض المفسرين ، بل مراده أن الآية دلت على ذلك بعمومها ، وفي رواية عنه من طريق عطاء    : ولا تقربوا الفواحش ما ظهر ( قال ) : العلانية . وما بطن . . قال : السر . وعنه أيضا : ما ظهر منها نكاح الأمهات والبنات ، وما بطن الزنا   . وأخرج  ابن أبي حاتم  عن  عمران بن حصين  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم " ؟ - قالوا : الله ورسوله أعلم قال " هن فواحش وفيهن عقوبة   " وأخرج  ابن أبي حاتم  عن أبي حازم الرهاوي  أنه سمع مولاه يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مسألة الناس من الفواحش   " وأخرج أيضا عن يحيى بن جابر  قال : بلغني أن من الفواحش التي نهى الله عنها في كتابه تزويج الرجل المرأة فإذا نفضت له ولدها طلقها من غير ريبة   . نفضت له ولدها : ولدت له : وأخرج هو وأبو الشيخ  عن عكرمة    . ما ظهر منها ظلم الناس ، وما بطن الزنا والسرقة   . أي لأن الناس يأتونها في الخفاء . ذكر ذلك كله " في الدر المنثور " فدل على أن مفسري السلف في جملتهم يحملون الفواحش على عمومها ، وما ذكروه منها أمثلة لا تخصيص . 
وما تقدم في تفسير ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه    ) ( 120 ) من الوجوه في ظاهره وباطنه يأتي مثله هنا فيراجع في تفسير الآية : ( 120 ) من هذه السورة وهذا الجزء ، إلا أن الإثم أعم من الفاحشة لأنه يشمل كل ضار من الصغائر والكبائر فحش قبحه أم لا ; ولذلك قال تعالى في صفة المحسنين من سورة النجم : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم    ) ( 53 : 32 ) وقال في آية الأعراف : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون    ) ( 7 : 33 ) قيل : إنها جمعت أصول المحرمات الكلية وهي على الترقي في قبحها كما سيأتي   [ ص: 166 ] في تفسيرها ، وفي حديث  عبد الله بن مسعود  مرفوعا " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن   " رواه الشيخان في صحيحيهما . 
				
						
						
