( البشارة الخامسة ) 
جاء في ترجمات سنة 1722 وسنة 1831 وسنة 1844 العربية من سفر التكوين ( 49 : 10 فلا يزول القضيب من يهوذا    . والمدبر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم ) وفي ترجمة سنة 1811 ( فلا يزول القضيب من يهوذا  والراسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه تجتمع الشعوب ) ولفظ الذي له الكل أو الذي هو له ترجمة لفظ " شيلوه " وفي ترجمة هذا اللفظ اختلاف كثير فيما بينهم كما عرفت في الأمر السابع أيضا . وقال عبد السلام  في الرسالة الهادية هكذا ( لا يزول الحاكم من يهوذا  ولا راسم من بين رجليه حتى يجيء الذي له وإليه تجتمع الشعوب    ) وفي هذه الآية دلالة على مجيء سيدنا محمد    - صلى الله عليه وسلم - بعد تمام حكم موسى  وعيسى  ؛ لأن المراد من الحاكم هو موسى  ؛ لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى  إلا موسى  ، والمراد من الراسم هو عيسى  ؛ لأنه بعد موسى  إلى زمان عيسى  ما جاء صاحب شريعة إلا عيسى  ، وبعدهما ما جاء صاحب شريعة إلى محمد  ، فعلم أن المراد من قول يعقوب  في آخر الأيام ، هو نبينا محمد    - صلى الله عليه وسلم - لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم الحاكم والراسم ما جاء إلا سيدنا محمد    - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه أيضا قوله : حتى يجيء الذي له - أي : الحكم - بدلالة مساق الآية وسياقها ، وأما قوله ( وإليه تجتمع الشعوب ) فهي علامة صريحة ودلالة واضحة على أن المراد منها هو سيدنا محمد  ؛ لأنه ما اجتمع الشعوب إلا إليه ، وإنما لم يذكر الزبور ؛ لأنه لا أحكام فيه ، وداود  النبي تابع لموسى  ، والمراد من خبر يعقوب  هو صاحب " الأحكام " انتهى كلامه بلفظه . 
أقول : إنما أراد من الحاكم موسى    - عليه السلام - ؛ لأن شريعته جبرية انتقامية ومن الراسم عيسى    - عليه السلام - ؛ لأن شريعته ليست بجبرية ولا انتقامية ، وإن أريد من القضيب السلطنة الدنيوية ، ومن المدبر الحاكم الدنيوي - كما يفهم من رسائل القسيسين من فرقة بروتستنت  ، ومن بعض تراجمهم - فلا يصح أن يراد بشيلوه  مسيح اليهود  كما هو مزعومهم ، ولا عيسى    - عليه السلام - كما هو مزعوم النصارى    . ( أما الأول ) فظاهر ؛ لأن السلطنة الدنيوية   [ ص: 226 ] والحاكم الدنيوي زالا من آل يهوذا  من مدة هي أزيد من ألفي سنة من عهد بختنصر  ، ولم يسمع إلى الآن حسيس مسيح اليهود    ( وأما الثاني فلأنهما زالا من آل يهوذا  أيضا قبل ظهور عيسى    - عليه السلام - بمقدار ستمائة سنة من عهد بختنصر  ، وهو أجلى بني يهوذا  إلى بابل  وكانوا في الجلاء ثلاثا وستين سنة لا سبعين كما يقول بعض علماء بروتستنت  تغليظا للعوام - كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول ، ثم وقع عليهم في عهد انتيوكس  ما وقع فإنه عزل أنياس حبر اليهود  وباع منصبه لأخيه ياسون بثلاثمائة وستين وزنة ذهب يقدمها له خراجا كل سنة ، ثم عزله وباع ذلك لأخيه مينالاوس  بستمائة وستين وزنة ، ثم شاع خبر موته فطلب ياسون  أن يسترد لنفسه الكهنوت ، ودخل أورشليم  بألوف من الجنود فقتل كل من كان يظنه عدوا له - وهذا الخبر كان كاذبا - فهجم أنتيوكس  على أورشليم  وامتلكها ثانية في سنة 170 قبل ميلاد المسيح  وقتل من أهلها أربعين ألفا ، وباع مثل ذلك عبيدا وفي الفصل العشرين من الجزء الثاني من مرشد الطالبين في بيان الجدول التاريخي في الصفحة 481 من النسخة المطبوعة سنة 1852 من الميلاد ( إنه نهب أورشليم  وقتل ثمانين ألفا ) ا هـ ، وسلب ما كان في الهيكل من الأمتعة النفسية التي كانت قيمتها ثمانمائة وزنة ذهب ، وقرب خنزيرة وقودا على المذبح للإهانة ثم رجع إلى إنطاكية  وأقام فيلبس  أحد الأراذل حاكما على اليهودية - وفي رحلته الرابعة إلى مصر  أرسل أبولوينوس  بعشرين ألفا من جنوده وأمرهم أن يخربوا أورشليم  ، ويقتلوا كل من فيها من الرجال ، ويسبوا النساء والصبيان فانطلقوا إلى هناك ، وبينما كان الناس في المدينة مجتمعين للصلاة يوم السبت هجموا عليهم على غفلة فقتلوا الكل إلا من أفلت إلى الجبال أو اختفى في المغاور ، ونهبوا أموال المدينة وأحرقوها وهدموا أسوارها وخربوا منازلها ، ثم ابتنوا لهم من بسائط ذلك الهدم قلعة حصينة على جبل أكرا ، وكانت العساكر تشرف منها على جميع نواحي الهيكل ، ومن دنا منهم يقتلونه ثم أرسل أنتيوكس أثانيوس  ليعلم اليهود  طقوس عبادة الأصنام اليونانية ، ويقتل كل من لا يتمثل ذلك الأمر ، فجاء أثانيوس  إلى أورشليم  ، وساعده على ذلك بعض اليهود  الكافرين ، وأبطل الذبيحة اليومية ، ونسخ كل طاعة للدين اليهودي عموما وخصوصا ، وأحرق كل ما وجده من نسخ كتب العهد العتيق بالفحص التام وكرس الهيكل للمشتري ، ونصب صورة ذلك على مذبح اليهود  ، وأهلك كل من وجده مخالفا أمر أنتيوكس  ، ونجا متاثياس  الكاهن مع أبنائه الخمسة في هذه الداهية ، وفروا إلى وطنهم مودين في سبط دان ، فانتقم من هؤلاء الكفار انتقاما ما قدروا عليه - على استطاعته - كما هو مصرح به في التواريخ ، فكيف يصدق هذا الخبر على عيسى    - عليه السلام - ؟ 
وإن قالوا : إن المراد ببقاء السلطنة والحكومة امتياز القوم كما يقول بعضهم الآن   [ ص: 227 ]   ( قلنا ) : هذا الأمر كان باقيا إلى ظهور محمد    - صلى الله عليه وسلم - ، وكانوا في أقطار العرب ذوي حصون وأملاك غير مطيعين لأحد ، مثل يهود خيبر   وغيرهم كما تشهد به التواريخ ، وبعد ظهور محمد    - صلى الله عليه وسلم - ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وصاروا في كل إقليم مطيعين للغير - فالأليق أن يكون المراد بشيلوه  النبي - صلى الله عليه وسلم - لا مسيح اليهود ولا عيسى    - عليه السلام - . 
				
						
						
