nindex.php?page=treesubj&link=28888شبهات من أباح ترجمة القرآن في هذا الزمان
قد كان مما نشكو من فوضى العلم والدين في هذا الزمان ، أن بعض الناس كتبوا مقالات في الجرائد خالفوا فيها جماعة المسلمين منذ ظهر الإسلام إلى اليوم فزعموا أن ترجمة القرآن مباحة ، وجاءوا بشبهات يحتجون بها على رأيهم ، بعضها آراء لهم ، وبعضها أقوال من الكتب لم يفهموها ، فهي لا تدل على زعمهم ، ولو دلت عليها لم تكن حجة ; لأنها كآرائهم ، وما كان لأحد أن ينقض برأيه بناء رفع سمكه القرآن ، وأجمعت عليه الأمة قولا وعملا .
( الشبهة الأولى ) ما استدل به بعض الحنفية لإمامهم على قوله الذي كان خطر له ، ثم رجع عنه لظهور بطلانه له ، كما أنه لم يتابعه عليه أصحابه ، ولا عمل به أحد من أتباعه . أعني ما سبقت الإشارة إليه مرارا من جواز قراءة العاجز عن النطق بالعربية لما عجز عنه من القرآن في الصلاة بالفارسية ، أعني بما استدل له بقوله تعالى في سورة الشعراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وإنه لفي زبر الأولين ( 26 : 196 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في كشافه في تفسيرها : وإن القرآن - يعني ذكره - مثبت في سائر الكتب السماوية . وقيل : إن معانيه فيها ، وبه يحتج
لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة حيث قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وإنه لفي زبر الأولين لكون معانيه فيها اهـ . ونقله عنه آخرون كصاحب التفسيرات الأحمدية . وصاحب فتح البيان ، ونقله عنهم في هذه الأيام بعض الأزهريين في الجرائد عندما دار الجدال في حكم ترجمة القرآن باللغات الأعجمية وادعى أن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فهم هذا من الآية .
ونقول في رد هذه الشبهة : ( أولا ) إن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لم يفهم هذا من الآية ، بل فهم غيره ، ونقله بصيغة التمريض والتضعيف " قيل " وإنما الذي فهمه واعتمده ما قبله ، ولعله لولا
[ ص: 287 ] عادة المنتمين إلى مذهب مجتهد لحكاية كل ما يؤيد قوله من قوي وضعيف لم ينقله ، ولو بصيغة التمريض ، وله كثير من النقول الضعيفة التي لا يحمل تبعتها لإشارته إلى ضعفها .
( ثانيا ) أن سبب إشارته إلى ضعفه هو أن تفسير المعاني بما ذكروه ظاهر البطلان لا يمكن أن يريده الإمام
أبو حنيفة ، ولا من دونه في علم اللغة والدين ، أعني أن تكون معانيه هي مدلول كلمة القرآن كله أو بعضه ، بأن تكون سورة الفاتحة الواجبة في الصلاة - وهي موضوع مسألة
أبي حنيفة قبل كل شيء - موجودة في التوراة بهذا النظم والترتيب ولكن بألفاظ عبرانية ; إذ لو كان الأمر كذلك لكان القرآن ترجمة للتوراة ، وصح أن يقال : إنه هو التوراة ، ولا نطيل في بيان وجوه فساد هذا القول وبطلانه ، وما كان يترتب عليه لو كان مرادا من الأباطيل كاحتجاج
اليهود وغيرهم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه لم يأت بكتاب جديد من عند الله بل بترجمة بعض التوراة .
( ثالثا ) إن فرضنا أن هذا مراد في بعض القرآن كقصة
موسى التي في سورة الشعراء أو مطلقا دون الفاتحة ، ومثل قصة
بدر وأحد ، وأن من قرأ قصة
موسى في سورة الشعراء يصح أن يقول : قرأت التوراة مترجمة بالعربية ، فإن هذا - على كونه - ليس بصحيح أيضا على حقيقته - لا يدل على جواز ترجمة القرآن كله كما أن الذي يقرأ القصة في سفر الخروج من التوراة لا يصح أن يقول : قرأت القرآن الذي هو موضوع الخلاف . وإنما قصارى ما يدل عليه أن تجوز قراءة عبارة التوراة الموافقة للقرآن في الصلاة ، وأن يقاس عليها جواز ترجمتها بالفارسية مثلا ، ولم يقل بالأصل
أبو حنيفة ولا غيره من علماء المسلمين حتى يصح قياسهم عليه . وهاهنا مجال واسع للتجهيل والسخرية بمن يتهوكون مثل هذا التهوك الذي نحن بصدده ، وينشرونه على الناس في مسألة عظيمة كهذه نتركه عفوا عنهم .
( رابعا ) اتفق السلف والخلف من علماء التفسير على أن الكلام في الآية مقدر فيه مضاف قبل ضمير القرآن ، ومضاف قبل ضمير القرآن ، ومضاف قبل زبر الأولين - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير - والمعنى : وإن ذكره أو خبره أو دليل صدقه - مثلا - لثابت في بعض زبر الأولين . ولهم في الضمير قولان : ( أحدهما ) : أنه القرآن - وهو المتبادر من السياق قبله - ( والثاني ) : أنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( 7 : 157 ) .
( خامسا ) أن الذي يوجد من معاني القرآن في كتب الرسل الأولين قسمان : ( أحدهما ) عام يوجد فيها كلها وهو أصول الدين الإلهي المطلق من الإيمان بالله تعالى وعبادته وحده والإيمان باليوم الآخر ، والعمل الصالح وما يقابل ذلك من الزجر عن الشرك والمعاصي
[ ص: 288 ] والرذائل - ويصح حمل الآية عليه على حد قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ( 42 : 13 ) إلخ : ( والثاني ) خاص وهو الأقرب إلى السياق سابقه ولاحقه ، وهو أن المراد ما في هذه السورة وأمثالها من قصة
موسى وكذا غيره من الرسل عليهم السلام التي كانت مجهولة عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقومه وأهل بلده خاصة ; ولذلك قال بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=197أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ( 26 : 197 ) كما قال عقب قصة
موسى في سورة القصص مخاطبا لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محتجا على صدق ما جاء به :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ( 28 : 44 ) الآيات .
فهل يصح لذي علم أو فهم أن يقول في الآية إنها تدل على جواز ترجمة القرآن بالفارسية أو غيرها ، وإن الترجمة مع هذا تسمى قرآنا ، وكلام الله ، ويتعبد بها ، خلافا لنصوص القرآن القطعية ، ولإجماع الأمة منذ وجد الإسلام إلى اليوم ؟ ! لك أن تقول : إن فوضى العلم والدين يصح معها ما هو أبعد من هذا عن العلم والفهم ، كما صح لعالم أزهري أن يقول : إن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري رجح القول الذي رأيت أنه حكاه حكاية بصيغة التضعيف ، وأنه ليس في سياق الآية ، ولا في قواعد اللغة ما يمنع هذا التفسير ، وقد علمت قطعا أن سياق الآية ، والمتبادر من اللغة يمنع ذلك ! ! ! .
nindex.php?page=treesubj&link=28888شُبَهَاتُ مِنْ أَبَاحَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ
قَدْ كَانَ مِمَّا نَشْكُو مِنْ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَتَبُوا مَقَالَاتٍ فِي الْجَرَائِدِ خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ مُبَاحَةٌ ، وَجَاءُوا بِشُبَهَاتٍ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى رَأْيِهِمْ ، بَعْضُهَا آرَاءٌ لَهُمْ ، وَبَعْضُهَا أَقْوَالٌ مِنَ الْكُتُبِ لَمْ يَفْهَمُوهَا ، فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى زَعْمِهِمْ ، وَلَوْ دَلَّتْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ حُجَّةً ; لِأَنَّهَا كَآرَائِهِمْ ، وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ بِرَأْيِهِ بِنَاءً رَفَعَ سَمْكَهُ الْقُرْآنُ ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ قَوْلًا وَعَمَلًا .
( الشُّبْهَةُ الْأَوْلَى ) مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِإِمَامِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي كَانَ خَطَرَ لَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَهُ ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، وَلَا عَمَلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ . أَعْنِي مَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِرَارًا مِنْ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ ، أَعْنِي بِمَا اسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ( 26 : 196 ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ فِي تَفْسِيرِهَا : وَإِنَّ الْقُرْآنَ - يَعْنِي ذِكْرَهُ - مُثْبَتٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ . وَقِيلَ : إِنَّ مَعَانِيَهُ فِيهَا ، وَبِهِ يُحْتَجُّ
لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لِكَوْنِ مَعَانِيهِ فِيهَا اهـ . وَنَقَلَهُ عَنْهُ آخَرُونَ كَصَاحِبِ التَّفْسِيرَاتِ الْأَحْمَدِيَّةِ . وَصَاحِبِ فَتْحِ الْبَيَانِ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بَعْضُ الْأَزْهَرِيِّينَ فِي الْجَرَائِدِ عِنْدَمَا دَارَ الْجِدَالُ فِي حُكْمِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِاللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ وَادَّعَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ فَهِمَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ .
وَنَقُولُ فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ : ( أَوَّلًا ) إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنَ الْآيَةِ ، بَلْ فَهِمَ غَيَرَهُ ، وَنَقَلَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَالتَّضْعِيفِ " قِيلَ " وَإِنَّمَا الَّذِي فَهِمَهُ وَاعْتَمَدَهُ مَا قَبْلَهُ ، وَلَعَلَّهُ لَوْلَا
[ ص: 287 ] عَادَةُ الْمُنْتَمِينَ إِلَى مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ لِحِكَايَةِ كُلِّ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مِنْ قَوِيٍ وَضَعِيفٍ لَمْ يَنْقُلْهُ ، وَلَوْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ ، وَلَهُ كَثِيرٍ مِنَ النُّقُولِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا يَحْمِلُ تَبِعَتَهَا لِإِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهَا .
( ثَانِيًا ) أَنَّ سَبَبَ إِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهِ هُوَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَعَانِي بِمَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَهُ الْإِمَامُ
أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَا مِنْ دُونِهِ فِي عِلْمِ اللُّغَةِ وَالدِّينِ ، أَعْنِي أَنْ تَكُونَ مَعَانِيهُ هِيَ مَدْلُولُ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ، بِأَنْ تَكُونَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ - وَهِيَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ
أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ - مَوْجُودَةً فِي التَّوْرَاةِ بِهَذَا النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ وَلَكِنْ بِأَلْفَاظٍ عِبْرَانِيَّةٍ ; إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ الْقُرْآنُ تَرْجَمَةً لِلتَّوْرَاةِ ، وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ هُوَ التَّوْرَاةُ ، وَلَا نُطِيلُ فِي بَيَانِ وُجُوهِ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانِهِ ، وَمَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنَ الْأَبَاطِيلِ كَاحْتِجَاجِ
الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِكِتَابٍ جَدِيدٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بَلْ بِتَرْجَمَةِ بَعْضِ التَّوْرَاةِ .
( ثَالِثًا ) إِنْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا مُرَادٌ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ كَقِصَّةِ
مُوسَى الَّتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَوْ مُطْلَقًا دُونَ الْفَاتِحَةِ ، وَمِثْلِ قِصَّةِ
بَدْرٍ وَأُحُدٍ ، وَأَنَّ مَنْ قَرَأَ قِصَّةَ
مُوسَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ : قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ مُتَرْجَمَةً بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَإِنَّ هَذَا - عَلَى كَوْنِهِ - لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا عَلَى حَقِيقَتِهِ - لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ كَمَا أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ الْقِصَّةَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ : قَرَأْتُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ الْخِلَافِ . وَإِنَّمَا قُصَارَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ تَجُوزَ قِرَاءَةُ عِبَارَةِ التَّوْرَاةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا جَوَازُ تَرْجَمَتِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ مَثَلًا ، وَلَمْ يَقُلْ بِالْأَصْلِ
أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِ . وَهَاهُنَا مَجَالٌ وَاسِعٌ لِلتَّجْهِيلِ وَالسُّخْرِيَةِ بِمَنٍّ يَتَهَوَّكُونَ مِثْلَ هَذَا التَّهَوُّكِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ ، وَيَنْشُرُونَهُ عَلَى النَّاسِ فِي مَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ كَهَذِهِ نَتْرُكُهُ عَفْوًا عَنْهُمْ .
( رَابِعًا ) اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ مُقَدَّرٌ فِيهِ مُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ ، وَمُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ ، وَمُضَافٌ قَبْلَ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ - كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ - وَالْمَعْنَى : وَإِنَّ ذِكْرَهُ أَوْ خَبَرَهُ أَوْ دَلِيلَ صِدْقِهِ - مَثَلًا - لَثَابِتٌ فِي بَعْضِ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ . وَلَهُمْ فِي الضَّمِيرِ قَوْلَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّهُ الْقُرْآنُ - وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَهُ - ( وَالثَّانِي ) : أَنَّهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ( 7 : 157 ) .
( خَامِسًا ) أَنَّ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي كُتُبِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ قِسْمَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) عَامٌّ يُوجَدُ فِيهَا كُلِّهَا وَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ الْمُطْلَقِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي
[ ص: 288 ] وَالرَّذَائِلِ - وَيَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ( 42 : 13 ) إِلَخْ : ( وَالثَّانِي ) خَاصٌّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى السِّيَاقِ سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ قِصَّةِ
مُوسَى وَكَذَا غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّتِي كَانَتْ مَجْهُولَةً عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَوْمِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ خَاصَّةً ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=197أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 26 : 197 ) كَمَا قَالَ عَقِبَ قِصَّةِ
مُوسَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُحْتَجًّا عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ( 28 : 44 ) الْآيَاتِ .
فَهَلْ يَصِحُّ لِذِي عِلْمٍ أَوْ فَهْمٍ أَنْ يَقُولَ فِي الْآيَةِ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَإِنَّ التَّرْجَمَةَ مَعَ هَذَا تُسَمَّى قُرْآنًا ، وَكَلَامَ اللَّهِ ، وَيُتَعَبَّدُ بِهَا ، خِلَافًا لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيَّةِ ، وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مُنْذُ وُجِدَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ ؟ ! لَكَ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَصِحُّ مَعَهَا مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ ، كَمَا صَحَّ لِعَالِمٍ أَزْهَرِيٍّ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ رَجَّحَ الْقَوْلُ الَّذِي رَأَيْتُ أَنَّهُ حَكَاهُ حِكَايَةً بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ ، وَلَا فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ ، وَقَدْ عَلِمْتُ قَطْعًا أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ ، وَالْمُتَبَادِرَ مِنَ اللُّغَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ ! ! ! .