وأطيعوا الله ورسوله أطيعوا الله في هذه الأوامر المرشدة إلى أسباب الفلاح في القتال وفي غيرها ، وأطيعوا رسوله فيما يأمر به وينهى عنه من شئون القتال وغيرها ، من حيث إنه هو المبين لكلام الله الذي أنزل إليه على ما يريده تعالى منه ، والمنفذ له بالقول والعمل والحكم ، ومنه ولاية القيادة العامة في القتال ، فطاعة القائد العام هي جماع النظام الذي هو ركن من أركان الظفر ، فكيف إذا كان القائد العام رسول الله المؤيد من لدنه بالوحي والتوفيق ، والمشارك لكم في الرأي والتدبير والاستشارة في الأمور ، كما ثبت لكم في هذه الغزوة ثم في غيرها . وقد كان لهم من العبرة في ذلك أن الرماة عندما خالفوا أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة أحد [ ص: 23 ] كر المشركون عليهم ، ونالوا ما نالوا منهم ، بعد أن كان لهم الظهور عليهم . وأنزل الله تعالى في استغرابهم لذلك : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ( 3 : 165 ) .
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم هذا النهي مساق للأمر بالثبات وكثرة الذكر ، وبطاعة الله والرسول ، ومتم للغرض منه ، فإن الاختلاف والتنازع مدعاة الفشل ، وهو الخيبة والنكول عن إمضاء الأمر ، وأكثر أسبابه الضعف والجبن ، ولذلك فسروه هنا بهما ، وأصل التنازع كالمنازعة المشاركة في النزع ، وهو الجذب ، وأخذ الشيء بشدة أو لطف كنزع الروح من الجسد ، ونزع السلطان العامل من عمله ، كأن كل واحد من المتنازعين يريد أن ينزع ما عند الآخر من رأي ويلقي به - أو من نزع إلى الشيء نزوعا إذا مال إليه ، فإن كل واحد من المتنازعين في الأمر يميل إلى غير ما يميل إليه الآخر ، وهذا أظهر هنا .
وأما قوله تعالى : وتذهب ريحكم فمعناه تذهب قوتكم ، وترتخي أعصاب شدتكم فيظهر عدوكم عليكم . والريح في اللغة الهواء المتحرك ، وهي مؤنثة وقد تذكر بمعنى الهواء ، وتستعار للقوة والغلبة إذ لا يوجد في الأجسام أقوى منها ، فإنها تهيج البحار ، وتقتلع أكبر الأشجار ، وتهدم الدور والقلاع ، وقال الأخفش وغيره : تستعار للدولة ، لشبهها بها في نفوذ أمرها . ويقولون : هبت " رياح فلان " إذا دالت له الدولة ، وجرى أمره على ما يريد . كما يقولون ركدت ريحه أو رياحه إذا ضعف أمره وولت دولته .
واصبروا إن الله مع الصابرين أي : واصبروا على ما تكرهون من شدة ، وما تلاقون من بأس العدو واستعداده وكثرة عدده وغير ذلك إن الله مع الصابرين بالمعونة والتأييد ، وربط الجأش والتثبيت ، ومن كان الله معه فلا يغلبه شيء ، فالله غالب على أمره ، وهو القوي العزيز الذي لا يغالب . وقد جاءت هذه الجملة في آية من سورة البقرة وهي استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ( 2 : 153 ) فيراجع تفسيرها هنالك ( ص 30 وما بعدها ج 2 ط الهيئة ) بل يراجع تفسير الآية من أولها ( ص27 وما بعدها ج 2 ط الهيئة ) وكذا تفسير واستعينوا بالصبر والصلاة ( 2 : 45 ) قبلها ( ص 248 وما بعدها ج 1 ط الهيئة ) وهنالك تفسير كلمة الصبر ، ووجه الاستعانة به على مهمات الأمور كلها ولا سيما القتال .