وأما يوم الحج اختلافهم في تعيين الأكبر ففيه ما رواه في تفسير البخاري إلا الذين عاهدتم من المشركين من رواية عن صالح بن كيسان أن ابن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن أنه أخبره أبي هريرة أبا بكر رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها قبل حجة الوداع يؤذن في الناس ألا يحجن بعد العام مشرك . ولا يطوفن بالبيت عريان ، فكان أن حميد يقول : ، من أجل حديث يوم النحر يوم الحج الأكبر ، وتقدم الحديث في كتاب الجزية عن أبي هريرة شعيب عن بلفظ : بعثني الزهري أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر . وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر . فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحج في حجة الوداع التي حج فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشرك اهـ .
قال الحافظ في الكلام على رواية صالح من الفتح بعد أن ذكر رواية شعيب ما نصه : وقوله : ويوم الحج الأكبر يوم النحر - هو قول استنبطه من قوله تعالى : حميد بن عبد الرحمن وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ( 3 ) ومن مناداة بذلك بأمر أبي هريرة أبي بكر يوم النحر ، وسياق رواية شعيب يوهم أن ذلك مما نادى به أبو بكر ، وليس كذلك ، فقد تضافرت الروايات عن بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي هريرة أبي بكر شيئان : ، منع حج المشركين . وأن ومنع طواف العريان عليا أيضا كان ينادي بهما ، وكان يزيد : من كان له عهد فعهده إلى مدته ، وألا يدخل الجنة إلا مسلم . وكانت هذه الأخيرة كالتوطئة ، لئلا يحج البيت مشرك . وأما التي قبلها فهي التي اختص علي بتبليغها ، ولهذا قال العلماء : إن الحكمة في إرسال علي بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بألا ينقض العهد إلا من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته فأجراهم في ذلك على عادتهم ، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : . وروى لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي أحمد من طريق والنسائي محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال : علي حين بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكة بـ ( براءة ) ، فكنا ننادي ألا يدخل الجنة إلا كل نفس مسلمة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهد فعهده إلى مدته ، ولا يحج بعد العام مشرك ، فكنت أنادي حتى صحل صوتي . كنت مع
ثم قال الحافظ : وقوله : وإنما قيل ( الأكبر ) إلخ . في حديث عند ابن عمر أبي داود [ ص: 143 ] وأصله في هذا الصحيح رفعه : . أي يوم هذا ؟ قالوا : هذا يوم النحر ، قال : " هذا يوم الحج الأكبر "
واختلف في ، فالجمهور على أنه العمرة ، وصل ذلك المراد بالحج الأصغر عبد الرازق من طريق أحد كبار التابعين ، ووصله عبد الله بن شداد عن جماعة منهم الطبري عطاء ، وعن والشعبي مجاهد الحج الأكبر : القران ، والأصغر : الإفراد . وقيل : يوم الحج الأصغر يوم عرفة ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ؛ لأن فيه تتكمل بقية المناسك . وعن أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر كما يقال يوم الفتح ، وأيده الثوري السهيلي بأن عليا أمر بذلك في الأيام كلها ، وقيل : لأن أهل الجاهلية كانوا يقفون بعرفة وكانت قريش تقف بالمزدلفة ، فإذا كان صبيحة النحر وقف الجميع بالمزدلفة ، فقيل له الأكبر : لاجتماع الكل فيه ، وعن الحسن : سمي بذلك لاتفاق حج جميع الملل فيه . وروى من طريق الطبري أبي جحيفة وغيره أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة ، ومن طريق أنه يوم النحر ، واحتج بأن يوم التاسع وهو يوم سعيد بن جبير عرفة إذا انسلخ قبل الوقوف لم يفت الحج بخلاف العاشر ، فإن الليل إذا انسلخ قبل الوقوف فات ، وفي رواية الترمذي من حديث علي مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف . وقوله : فنبذ يوم الحج الأكبر يوم النحر أبو بكر إلخ . هو أيضا مرسل من قول ، والمراد أن حميد بن عبد الرحمن أبا بكر أفصح لهم بذلك ، وقيل : إنما لم يقتصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تبليغ أبي بكر عنه بـ ( براءة ) ؛ لأنها تضمنت مدح أبي بكر ، فأراد أن يسمعوها من غير أبي بكر ، وهذه غفلة من قائله حمله عليها ظنه أن المراد تبليغ ( براءة ) كلها ، وليس الأمر كذلك لما قدمناه ، وإنما أمر بتبليغه منها أوائلها فقط ، وقد قدمت حديث جابر وفيه : أن عليا قرأها حتى ختمها ، وطريق الجمع فيه ، واستدل به على أن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة على اختلاف المنقول عن مجاهد وعكرمة بن خالد ، وقد قدمت النقل عنها بذلك في المغازي ، ووجه الدلالة أن قال : بعثني أبا هريرة أبو بكر في تلك الحجة يوم النحر ، وهذا لا حجة فيه ؛ لأن قول مجاهد إن ثبت فالمراد بيوم النحر الذي هو صبيحة يوم الوقوف سواء كان وقع في ذي القعدة أو في ذي الحجة . نعم ، روى ابن مردويه من طريق عن أبيه عن جده قال : كانوا يجعلون عاما شهرا ، وعاما شهرين ، يعني : يحجون في شهر واحد مرتين في سنتين ، ثم يحجون في الثالث في شهر آخر غيره . قال : فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمس وعشرين سنة . فلما كان حج [ ص: 144 ] عمرو بن شعيب أبي بكر وافق ذلك العام أشهر الحج فسماه الله الحج الأكبر انتهى كلام الحافظ في تلخيص الروايات والجمع بينها بحروفه .
وقد أورد ابن كثير روايات أخرى في يوم الحج الأكبر منها عدة أحاديث مرفوعة نقلها في تفسير ابن جرير ، لكنها ضعيفة لا أصل لشيء منها في الصحيح إلا حديث وابن أبي حاتم الذي أشار إليه الحافظ ابن عمر ابن حجر فيما تقدم نقله عنه آنفا ، وقال : وهذا إسناد صحيح ، وأصله مخرج في الصحيح . وذكر حديثا آخر عن أبي الأحوص . ثم ذكر أقوالا أخرى شاذة منها : قول ، وقد سئل عنه : كان يوما وافق فيه حج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحج أهل الوبر اهـ . أقول : وقد كان يوم ابن سيرين عرفة عام حجة الوداع يوم الجمعة . والعوام يسمون كل عام يكون فيه الوقوف بعرفات يوم الجمعة بالحج الأكبر .
وأما الحديث الصحيح الذي أشاروا إليه فقد رواه تعليقا عن البخاري قال : إن ابن عمر ورواه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال : " أي يوم هذا " ؟ قالوا : يوم النحر ، قال : " هذا يوم الحج الأكبر " أبو داود موصولا عنه وسنده صحيح ، وهو القول الفصل . وابن ماجه