: تراجع المسلمون ونصر الله لهم
روى مسلم من حديث العباس ـ رضي الله عنه ـ قال شهدت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين فلزمت أنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم نفارقه ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي ، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يركض بغلته قبل الكفار ، قال وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكفها إرادة أن لا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أي عباس ناد أصحاب السمرة " فقال عباس ( وكان رجلا صيتا ) فقلت بأعلى صوتي : أين أصحاب السمرة ؟ قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك يا لبيك ، قال : فاقتتلوا والكفار ، والدعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار . قال : ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج ، فنظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم [ ص: 227 ] فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا حين حمي الوطيس قال : ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : " انهزموا ورب محمد " قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا اهـ . وفي رواية له عنه زيادة حتى هزمهم الله تعالى وكأني أنظر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يركض خلفهم .
قال النووي في شرح كلمة العباس : قال العلماء : في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا ، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم ، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا ، وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ، ورشقهم بالسهام ، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه ، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر ، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة إلخ . وفي السير أن خبر الهزيمة بلغ مكة فشمت منافقوها .