[ ص: 343 ] ما ورد من الأخبار والآثار في الأولياء :  
ذكر بعض المفسرين في تفسير الآية بعض الأخبار النبوية ، ولا يصح منها حديث مرفوع متصل الإسناد ، وأقرب ما رووه في تفسيرها إلى اصطلاحهم في الأولياء حديث  أبي هريرة  المرفوع : ( ( إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء ) ) قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال ( ( هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور ، على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ) ) ثم قرأ : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون    ) ( 62 ) أخرجه  ابن جرير  من طريق شيخه أبي هشام الرفاعي وهو محمد بن يزيد بن كثير العجلي الكوفي  ، قال  البخاري    : رأيتهم مجمعين على ضعفه ، ورواه أبو داود  من حديث  عمر بن الخطاب  بمثل سند  ابن جرير  عن  أبي زرعة بن عمرو بن جرير  عنه إلا أنه منقطع بين أبي زرعة  وعمرو  ، وقال بعضهم : وأخرجه الحاكم  وصححه ولم أره في تفسير السورة من المستدرك وما كل ما صححه الحاكم  بصحيح ، ومتن هذا الحديث مشكل لأنه يدل على تفضيل الأولياء على الأنبياء  وهو مخالف لإجماع علماء المسلمين ، موافق لقول بعض أولياء الشياطين : إن الولي أفضل من النبي ، من حيث إن ولاية النبي أفضل من نبوته ، وهو تأويل شيطاني . 
ومثله حديث أبي مالك الأشعري  مرفوعا ( ( يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله ، وتصافوا في الله ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون   ) ) والحديث مطول أخرجه  الإمام أحمد  من طريق  شهر بن حوشب  ، وفيه مقال لهم أهونه ما اكتفى به الحافظ في التقريب وهو أنه صدوق كثير الإرسال والأوهام ، وذكر في تهذيب التهذيب : أنه مما قيل فيه إنه يروي المنكرات عن الثقات ، وقال  ابن حزم  هو ساقط ، وقال  ابن عدي    : ضعيف جدا . 
وورد عدة روايات مرفوعة وآثار في تفسير البشرى في الدنيا بالرؤيا الصالحة  ، يراها المسلم أو المؤمن أو ترى له . وعليه  ابن مسعود   وأبو هريرة   وابن عباس  من الصحابة ، ومجاهد   وعروة بن الزبير   ويحيى بن أبي كثير   وإبراهيم النخعي   وعطاء ابن أبي رباح  من التابعين وغيرهم وفسرها بعضهم بآية ( ( حم ) ) السجدة التي أوردناها آنفا مع تفسيرها . وروي عن  ابن عباس  وغيره أن الأولياء هم الذين إذا رؤوا ذكر الله لرؤيتهم ورواه بعضهم مرفوعا وهو ضعيف ، وروي عن أبي حنيفة   والشافعي  أنهما قالا : إذا لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله تعالى ولي ، قال النووي  والمراد بهم العلماء العاملون . فهذه خلاصة الروايات في الآية . 
وإننا لم نر في الأحاديث الصحيحة في الأولياء ما هو أقرب إلى كلام الصوفية منه إلى   [ ص: 344 ] كلام الله عز وجل إلا حديث : ( ( من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب   ) ) إلخ . وقد انفرد به  البخاري  وفي سنده غرابة كمتنه . قال الحافظ ابن رجب    : هذا الحديث تفرد بإخراجه  البخاري  دون بقية أصحاب الكتب ، خرجه عن  محمد بن عثمان بن كرامة  عن  خالد بن مخلد    - إلى أن قال - وهو من غرائب الصحيح ، تفرد به  ابن كرامة  عن خالد  وليس في مسند أحمد  مع أن  خالد بن مخلد القطواني  تكلم فيه  الإمام أحمد  وغيره وقالوا له مناكير ( ثم قال ) وقد روي من وجوه أخر لا تخلو كلها من مقال . وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب اختلافا في أئمة الجرح والتعديل في خالد  ، ومنه تصريح جماعة بروايته للمناكير ومنه : في ( الميزان ) للذهبي  قال : أبو حاتم  يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال الأزدي    : في حديثه بعض المناكير وهو عندنا في عداد أهل الصدق ، ومنه قول ابن سعد    : كان منكر الحديث متشيعا مفرطا في التشيع وكتبوا عنه للضرورة ، وذكر بعض هذا الجرح وغيره في مقدمة ( فتح الباري ) وأجاب عنه بما حاصله أن التشيع لا يضر مثله ، وأما المناكير فقد تتبعها  أبو أحمد بن عدي  من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء مما أخرجه له  البخاري    ( قال ) بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث  أبي هريرة    : ( ( من عادى لي وليا   ) ) الحديث ا ه . 
( أقول ) وأما الغرابة في متن هذا الحديث فهو قوله تعالى : ( ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به   ) ) إلى آخر الذي استدلوا به على الحلول والاتحاد ، وقد أوله العلماء وبينت أمثلة تأويل له عندي في الكلام على حب الله تعالى من تفسير ( 9 : 24 ص 214 ج 10 ط الهيئة ) فراجعه يغنك عن ذكره كله هنا . 
				
						
						
