( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) . 
هذه الآية خاتمة هذه القصة ، ومنتهى العبرة فيها لمكذبي محمد    - صلى الله عليه وسلم - والجاحدين من قومه المغرورين بقوتهم وكثرتهم وثروتهم ، في موسى  والجاحدين لآياته من فرعون  وقومه وقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة ، وأعظم زينة وأوفر ثروة ، وسنة الله في موسى  ومن قبله واحدة ، وقصته كقصة نوح  في العاقبة وأما نصر الله لمحمد  نبي الرحمة وإنجاز وعده له ، قد جرى على وجه أتم وأكمل في غايته ، وإن لم يكن غريبا في صورته ، وهو أن الله تعالى أهلك أكثر زعماء أعدائه المشركين ، وأخضع له الآخرين ، وجعل العاقبة لأتباعه المؤمنين وأعطاهم أعظم ملك في العالمين ، ومنه ما كان أعطي موسى  من قبل وهو فلسطين    . قال : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق     ) قلنا آنفا : إن المبوأ مكان الإقامة الأمين . وأضيف إلى الصدق لدلالته على صدق وعد الله تعالى لهم به وهو منزلهم من بلاد الشام  الجنوبية المعروفة بفلسطين    ( ورزقناهم من الطيبات    ) فيه ، وهي التي أشير إليها في وصف أرضها من كتبهم بأنها تفيض لبنا وعسلا ، وما فيها من الغلات والثمرات والأنعام ، وكذا صيد البر والبحر ، وقد بينا من قبل ما كان من وعد الله لهم بهذه الأرض المباركة على لسان إبراهيم  وإسحاق  ويعقوب  ، ومن أيلولة هذه الأرض من بعدهم لذرية إبراهيم  من العرب ، بعد حرمان اليهود  منه تصديقا لوعيد أنبيائهم لهم على كفرهم بنعم الله تعالى أولا ثم بكفرهم بعيسى  ، ثم بمحمد  رسول الله   [ ص: 391 ] النبي الأمي الذي وعدهم به على لسانه ولسان من قبله ، كما تقدم تفصيله في تفسير سورة الأعراف وأشير إليه هنا بقوله : ( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم    ) على قول بعض المفسرين : إن المراد بالعلم هنا محمد    - صلى الله عليه وسلم - أو رسالته أو القرآن الذي هو أكمل وأتم ما أنزل الله من علم الدين ، وقوله تعالى في سياق الرد على أهل الكتاب : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه    ) ( 4 : 166 ) وقوله : ( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله    ) ( 11 : 14 ) وقوله : ( بكتاب فصلناه على علم    ) ( 7 : 52 ) فقد كانوا متفقين على بشارة أنبيائهم به قبل بعثته ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به . 
وقال آخرون وهو الأظهر : إن المراد هنا علم الدين مطلقا ، وقد اختلفوا فيه كغيرهم ممن أوتوا الكتب من وجوه فصلناها في تفسير الآية العامة في الاختلاف وهي ( 2 : 213 ) وفي الآية 19 من هذه السورة وما هي ببعيد ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) إذ جعلوا الدواء عين الداء في أمر الدين بعد إذ أنزل عليهم الكتاب ليحكم بينهم فاختلفوا في الكتاب بغيا بينهم . 
				
						
						
