ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته أي واجب تقواه وما يحق منها ، كما في الكشاف ، قال : مثله قوله - تعالى - : فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 : 16 ] أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا . اهـ .
هذا ما فسر به العبارتين في الآيتين بحسب ذوقه السليم وفهمه الدقيق ، ثم نقل بعض ما ورد فيهما ، وما قاله هو المتبادر ، ومعنى العبارتين عليه واحد . ومن الناس من فهم أن الآيتين متعارضتان ، حتى زعموا أن الثانية نسخت الأولى ، ورووا ذلك عن موقوفا و مرفوعا . فقد أخرج ابن مسعود وغيره عنه : أن معنى ابن جرير اتقوا الله حق تقاته " أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر " وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : إنها لما نزلت اشتد على القوم العمل فقاموا " في صلاة الليل " حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا عليهم : سعيد بن جبير فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت الآية الأولى ، كذا في روح المعاني . وروى النسخ عن ابن جرير قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد . وروي عدم نسخها عن ابن عباس وأن وطاوس فسرها بأن يجاهدوا في الله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . أي فهي بمعنى الآيات التي تقرر هذه الأمور الثلاثة وهي مما لم يقل أحد بنسخها . ابن عباس
[ ص: 17 ] أقول : وإذا كانت الرواية بالنسخ ضعيفة بحسب الصناعة ، فهي في اعتقادي موضوعة ممن لم يفهم الآية . ولو كان معناها ما رووا عن - رضي الله عنه - لكانت من تكليف مالا يطاق وهو ممنوع ، وبه أخذ الأستاذ الإمام في منع النسخ . ابن مسعود
أما قوله - تعالى - : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فمعناه على المختار عند الأستاذ الإمام : استمروا على الإسلام ، وحافظوا على أعماله حتى الموت . فالمراد بالإسلام على هذا الدين إيمانه وعمله ، ووجه الاختيار أنه جاء في مقابلة قوله : يردوكم بعد إيمانكم كافرين وبعد الأمر بالتقوى حق التقوى . وقيل إن المراد به الإخلاص ، وقيل الإيمان دون العمل ; لأنه هو الذي يستمر إلى الموت . أقول : وهذا النهي مبني على قاعدة أن المرء يموت غالبا على ما عاش عليه ، فإذا عاش على اليقين حق التقوى والاحتراس مما ينافي الإسلام مات على ذلك بفضل الله الذي كانت تلك القاعدة من سننه في خلقه .