ثم قال تعالى : وأرسلناك للناس رسولا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ، وأما - عز وجل - خلقا لمواردها وأسبابها وتقديرا لتلك الأسباب بجعلها على قدر المسببات ، ومنها أن للإنسان عملا في هذه الأسباب فإن أحسن وأصاب كانت له الحسنة بفضل الله في ذلك ، وإن أخطأ وأساء كانت له السيئة بخروجه عن تلك السنن وتقصيره في تلك الأسباب ، وليس للرسول دخل فيما يصيب الناس من الحسنات والسيئات ; لأنه أرسل للتبليغ والهداية لا للتصرف في نظام الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها ، الحسنات والسيئات فهي من الله فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 35 : 43 ) ، فزعم أولئك الجاهلين أن السيئة تصيبهم من عنده أو بسببه ، وما تخيلوا من شؤمه ، لا حجة عليه من العقل ، وهو مخالف لما بين من وظيفة الرسول في النقل ، على أن هدايته جامعة لأسباب النعم فهي من يمنه لا من خلقه .