وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما .
مضت سنة القرآن في مزج آيات الأحكام العملية بما يرغب في الأعمال الصالحة وينشط عليها ، ويحفز الهمم إليها ، وينفر من القعود عنها ، والتكاسل والتواكل فيها ، وعلى هذه السنة جاءت هاتان الآيتان بين آيات أحكام القتال ، فهما متصلتان بها أتم الاتصال .
[ ص: 286 ] قال تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين ، أي عن الجهاد في سبيل الله لتأييد حرية الدين ، وصد غارات المشركين ، وتطهير الأرض من الفساد ، وإقامة دعائم الحق والإصلاح غير أولي الضرر ، العاجزين عن هذا الجهاد كالأعمى والمقعد والزمن والمريض والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، أي : لا يكون القاعدون عن الجهاد بأموالهم بخلا بها وحرصا عليها ، وبأنفسهم إيثارا للراحة والنعيم على التعب وركوب الصعاب في القتال ، مساوين للمجاهدين الذين يبذلون أموالهم في الاستعداد للجهاد بالسلاح والخيل والمؤنة ، ويبذلون أنفسهم بتعريضها للقتل في سبيل الحق ; لأجل منع القتل في سبيل الطاغوت ; لأن ، والقاعدين الذين لا يأخذون حذرهم ، ولا يعدون للدفاع عدتهم ، يكونون عرضة لفتك غيرهم بهم المجاهدين هم الذين يحمون أمتهم وبلادهم ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ( 2 : 251 ) ، بغلبة أهل الطاغوت عليها ، وظلمهم لأهلها ، وإهلاكهم للحرث والنسل فيها .