قال تعالى : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، دل الوعيد في الآية السابقة مع الاستثناء في هذه الآية على أن أولئك الذين اعتذروا عن عدم إقامة دينهم وعدم الفرار به هجرة إلى الله ورسوله غير صادقين في اعتذارهم ، فإن الاستضعاف الحقيقي عذر صحيح ولذلك استثني أهله من الوعيد بهذه الآية ، وقرن الرجال بالنساء والولدان فيها يشعر بأن المراد بالرجال الشيوخ الضعفاء والعجزة الذين هم كمن ذكر معهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، أي قد ضاقت بهم الحيل كلها فلم يستطيعوا ركوب واحدة منها ، وعميت عليهم الطريق جميعها فلم يهتدوا طريقا منها ، إما للزمانة والمرض ، وإما للفقر والجهل بمسالك الأرض وأخراتها ومضايقها ، قال بعض المفسرين : بحيث لو خرجوا هلكوا ، أي : بركوب التعاسيف أو قلة الزاد أو عدم الراحلة ، وفسر بعضهم الولدان هنا بالعبيد والإماء .
وقال بعضهم : بل هم الأولاد الصغار الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض ، وروي عن أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون إلى الهجرة سبيلا ، واستشكل بأن الأولاد غير مكلفين فلا يتناولهم الوعيد فيحتاج إلى استثنائهم ، وأجاب في الكشاف بأنه يجوز أن يكون المراد المراهقين منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم في التكليف ، أقول : ويجوز أن يكونوا قد ذكروا تبعا لوالديهم ; لأنهم [ ص: 292 ] يكلفون أن يهاجروا بهم ، فإذا كان الولدان عاجزين عن السير مع الوالدين ، والوالدان عاجزين عن حملهم ، كان من عذرهما أن يتركا الهجرة ما داما عاجزين ولا يكلفان ترك أولادهم . ابن عباس