ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ، المهاجر كسائر الناس عرضة للموت ، ولما وعد تعالى من يهاجر فيصل إلى دار الهجرة بالظفر بما ينبغي من وجدان المراغم والسعة ، وعد من يموت في الطريق قبل بلوغها بأجر عظيم يضمنه - عز وجل - له ، فمتى خرج من بيته بقصد الهجرة إلى الله أي : حيث يرضي الله وإلى نصرة رسوله في حياته ، ومثلها إقامة سننه بعد وفاته ، كان مستحقا لهذا الأجر ، ولو مات بعد مجاوزته عتبة الباب ، ولم يصب تعبا ولا مشقة ، فإن نية الهجرة مع الإخلاص كافية لاستحقاقه له ، وقد أبهم هذا الأجر وجعله حقا واقعا عليه - تبارك اسمه - للإيذان بعظم قدره ، وتأكيد ثبوته ووجوبه ، والوجوب والوقوع يتواردان على معنى واحد ، ومنه قوله - تعالى - : فإذا وجبت جنوبها ( 22 : 36 ) ، أي : سقطت جنوب البدن عندما تنحر في النسك ، ولله - تعالى - أن يوجب على نفسه ما شاء ، وليس لغيره أن يوجب عليه شيئا إذ لا سلطان فوق سلطانه ، فأين هذا الوعد للمهاجرين في تأكيده ، وإيجابه من وعد تاركي الهجرة لضعفهم وعجزهم من جعله محل الرجاء والطمع فقط ؟ لا يستويان وكان الله غفورا رحيما ، أي : وكان شأنه الثابت له أزلا وأبدا ، أنه غفور يستر ما سبق لأمثال هؤلاء المهاجرين من الذنوب بإيمانهم الذي حملهم على ترك أوطانهم ومعاهد أنسهم لأجل إقامة دينه واتباع سبيله ، رحيما بهم يشملهم بعطفه ويغمرهم بإحسانه .