وأما بل رفعه الله إليه فقد سبق نظيره في سورة آل عمران [ ص: 18 ] وذلك قوله تعالى : قوله ، تعالى : إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ( 3 : 55 ) روي عن تفسير التوفي هنا بالإماتة كما هو الظاهر المتبادر ، وعن ابن عباس تفسيرها بأصل معناها ، وهو الأخذ والقبض ، والمراد منه ومن الرفع إنقاذه من الذين كفروا بعناية من الله الذي اصطفاه وقربه إليه . قال ابن جريج ، بسنده عن ابن جرير " فرفعه إياه : توفيه إياه وتطهيره من الذين كفروا " أي : ليس المراد الرفع إلى السماء ، لا بالروح والجسد ، ولا بالروح فقط . ابن جريج
وعلى القول بأن التوفي : الإماتة ، لا يظهر للرفع معنى إلا رفع الروح ، والمشهور بين المفسرين وغيرهم ، أن الله - تعالى - رفعه بروحه وجسده إلى السماء ، ويستدلون على هذا بحديث المعراج ; إذ فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه هو وابن خالته يحيى في السماء الثانية ، ولو كان هذا يدل على أنه رفع بروحه وجسده إلى السماء ، لدل أيضا على رفع يحيى وسائر من رآهم من الأنبياء ، في سائر السماوات ، ولم يقل بهذا أحد .
وذكر الرازي أن المشبهة يستدلون بالآية على إثبات المكان لله تعالى ، وذكر للرد عليهم وجوها ; منها : أن المراد ب رافعك إلي إلى محل كرامتي ، وجعل ذلك رفعا للتفخيم ، والتعظيم ، ومثله قوله - تعالى - حكاية عن إبراهيم إني ذاهب إلى ربي ( 37 : 99 ) وإنما ذهب من العراق إلى الشام . ( ومنها ) : أن المراد رفعه إلى مكان لا يملك فيه عليه غير الله .
وقد فسرنا آية آل عمران في الجزء الثالث ، وذكرنا ما قاله الأستاذ الإمام فيها ، وفي مسألة نزول عيسى في آخر الزمان ، كما ورد في الأحاديث ، وقد أنكر بعض الباحثين ما أوردناه في ذلك ، وهو يحتاج إلى تمحيص وبيان ، ليس التفسير بمحل له ; لأن القرآن لم يثبت لنا هذه المسألة .
وكان الله عزيزا حكيما فبعزته ، وهي كونه يقهر ولا يقهر ، ويغلب ولا يغلب ، أنقذ عبده ورسوله عيسى ، عليه السلام ، من اليهود الماكرين والروم الحاكمين ، وبحكمته جزى كل عامل بعمله ، فأحل باليهود ما أحل بهم ، وسيوفيهم جزاءهم في الآخرة .