[ ص: 20 ] ( فصل في ) إن مسألة الصلب من المسائل التاريخية التي لها نظائر وأشباه كثيرة ، فقد كان الملوك والحكام يقتلون ويصلبون ، وناهيك بالرومانيين وقسوتهم ، مباحث تتعلق بمسألة الصلب واليهود وعصبيتهم ، وقد قتل هؤلاء غير واحد من أنبيائهم ; أشهرهم زكريا ويحيى ، عليهما السلام . والفائدة في إثبات التاريخ لمثل هذه الوقائع لا تعدو العبرة بأخلاق الأمة ، ودرجة ضلالها وهدايتها ، وسيرة الحكام فيها . وقد كان اليهود في عصر المسيح تحت سلطان الروم ( الرومانيين ) والحاكم الروماني في بيت المقدس في ذلك العهد ( بيلاطس ) لم يكن يريد قتل المسيح ، ولم يحفل بوشاية اليهود وسعايتهم فيه ، ولا خاف أن يكون ملكا يزيل سلطان الروم عن قومه ، هكذا تقول النصارى في كتبها ، وإنما كانت اليهود تريد قتله ، عليه السلام ، لما دعا إليه من الإصلاح الذي يزحزحهم عن تقاليدهم المادية ; لأنهم بقتلزكريا ويحيى قد أصيبوا بالضراوة بسفك دماء النبيين والمصلحين ، فسواء صح خبر دعوى قتل عيسى وصلبه أم لم يصح ، فلا صحته تفيدنا عبرة بحال أولئك القوم لم تكن معروفة ، ولا عدمها ينقص من معرفتنا بأخلاقهم وتاريخ زمنهم .
نعم إن مسألة الصلب ليست في ذاتها بالأمر الذي يهتم بإثباته أو نفيه في كتاب الله ، عز وجل ، بأكثر من ، لولا أن إثبات قتل اليهود النبيين بغير حق وتقريعهم على ذلك النصارى جعلوها أساس العقائد وأصل الدين ، فمن فاته الإيمان بها فهو في الآخرة من الهالكين ، ومن آمن بها على الوجه الذي يقولونه ويدعون إليه كان هو الناجي بملكوت السماء مع المسيح والرسل والقديسين . لأجل هذا كبر عليهم نفي القرآن العظيم لقتل المسيح وصلبه ، وهم يوردون في ذلك الشبهات على القرآن والإسلام ; لهذا رأينا أن نبين عقيدة الصلب عندهم ، وشبهاتهم على نفيها مع الجواب عنها ، وما يتعلق بذلك من المباحث المهمة .