الجمع بين الإسلام والنصرانية :
إن تلك الأقوال المعروفة ، عند النصارى ، دفعت بعض الراغبين في التأليف بينهم وبين المسلمين إلى الجمع بين ما جاء في القرآن العزيز ، وما يؤخذ من الأناجيل بنوع من التأويل ، وهو أن قول القرآن وما قتلوه يقينا ( 4 : 157 ) يشعر بأنه قد حصل ما هو مظنة القتل ; لأنه صورة من صوره ، ووسيلة من وسائله ، وهو ذلك التعليق على الخشبة الذي كان بدون كسر عظم ، ولا إصابة عضو رئيسي ، ولم يطل زمنه فكأنه ليس صلبا . وعندهم أن هذا هو وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ( 4 : 157 ) وهذا التأويل بعيد ، وما قررناه من قبل هو الأقرب . معنى قوله :
وممن ولع بالجمع بين النصرانية البولسية التي تؤخذ من الكتب التي يسمونها العهد الجديد وبين الإسلام قسيس من طائفة الروم الأرثوذكس اسمه ( خريستوفورس جباره ) كان برتبة أرشمندريت ، وكاد يكون مطرانا ، فخلع ثوب ( الكهنوت ) وطفق يدعو إلى التأليف ، والجمع بين الإسلام والنصرانية ، ويقول بعدم التنافي بينهما ، ويؤلف الكتب في ذلك ، يثبت فيها التوحيد وصدق القرآن ، ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - مع صحة الأناجيل وتطبيقها على القرآن ، ولكن لم يستطع أن يؤلف حزبا ، وإنني أعتقد أنه كان مخلصا في عمله ، وكان الأستاذ الإمام يحسن الظن فيه أيضا ، ويرى أن دعوته لا تخلو من فائدة ، وتمهيد للتأليف بين الناس ، وظهور دين الحق في جميع البلاد .
والحق أن الإسلام هو دين محمد ودين المسيح ودين جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولكن المحال هو الجمع بين دين القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبين الديانة البولسية المبنية على أن الثلاثة واحد حقيقة ، والواحد ثلاثة حقيقية ، وعلى عقيدة [ ص: 47 ] الصلب والفداء الوثنية ، وكيف يمكن الجمع بين التوحيد والتثليث ، وبين عقيدة نجاة الإنسان وسعادته بعلمه وعمله ، وعقيدة نجاته بإيمانه بلعن ربه لنفسه ، وتعذيبه إياها عن عبيده ، وإن لم يتم لربه مراده من ذلك .
إلا أن القرآن هو الجامع المؤلف ، ولكن ترك دعوته المنتمون إليه ، فكيف يستجيب له المخالف ؟ فدين التوحيد والتأليف لا يقوم بدعوته أحد ، ولا يحمي دعاته أحد ، ولا يبذل له المال لهداية الناس أحد ، ودين التعديد والفداء تبذل له القناطير المقنطرة من الدنانير ، ويستأجر لدعوته الألوف من المجادلين والعاملين ، وتحميهم الدول القوية بالمدافع والأساطيل . على أننا لا نيأس من روح الله ، فكما وفق لتأليف جماعة الدعوة والإرشاد ، فهو الذي يوفق لمساعدتها من أراد ، والله خلقنا من ضعف ، ثم جعل من بعد ضعف قوة ، وما هي إلا أن يستيقظ المسلمون من رقدتهم ، ويتنبهوا من غفلتهم ، ويعرفوا الغرض من حرص الإفرنج على تنصيرهم ، وأن أول بلايا دعوتهم ، وما ينشرون من صحفهم وكتبهم ، وينشئون من مدارسهم ومستشفياتهم ، هو إبطال ثقة المسلمين بدينهم ، وحل الرابطة التي تجمع بين أفرادهم وشعوبهم حتى يكونوا طعمة للطامعين ، بل عبيدا للطامعين ، فإذا انتبهوا وفقهوا عرفوا كيف يحفظون أنفسهم ودنياهم بحفظ دينهم ، وتوثيق رابطته بينهم والاستغناء عن الجمعيات والمستشفيات التي تنشئها جمعيات التغرير بالتبشير لهدم الإسلام ، بإنشاء خير منها لإعلاء منار الإسلام الذي هو دين العقل والعرفان ، والعدل والعمران ، الذي أكمل الله به دين الأنبياء عليهم السلام ، ويجذبون إليه من في بلاد أمريكة وأوربة من المستقلين الأحرار حتى تكون كلمة الله هي العليا في كل مكان لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .