وأما وبصدهم عن سبيل الله كثيرا فهو عطف على قوله فبظلم وقد أشرنا آنفا إلى احتمال أنه هو وما عطف عليه مبين له - أي للظلم - وهو حينئذ لا ينافي الحصر ; لأن العطف على المعمول المتقدم على عامله ، ينافي الحصر إذا كان المعطوف مغايرا له ، وأما إذا كان مبينا له فهو عينه ، ويجوز أن يكون عطف مغايرة وأن يكون تقديم ذكر الظلم للاهتمام ببيان قبح قليله وكثيره واقتضائه العقاب لا للحصر ، وقيل إن ( بصدهم ) متعلق بمحذوف ، أي : وبسبب صدهم عن سبيل الله إلخ شددنا عليهم في أحكام وتكاليف أخرى كالبقرة التي أمروا بذبحها في حادثة القتيل التي تقدمت في الجزء الأول . وعلى الأول يكون من البيان والتفصيل بعد الإبهام والإجمال ، وهو أوقع في النفس ، وأبلغ في العبرة والموعظة . قوله ، تعالى :
والصدود والصد يستعمل لازما ومعناه المنع أي صدودهم أنفسهم عن سبيل الله مرارا كثيرة ، بما كانوا يعصون موسى ، عليه السلام ، ويعاندونه ، أو صدهم الناس عن سبيل الله [ ص: 51 ] بسوء القدوة أو بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف . وقال بعض المفسرين : إن المراد : صدهم الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فأوقعوا أنفسهم بهذا التفسير في الإشكال وحار بعضهم في الخروج منه ، ونسوا أنهم كانوا في غنى عن الدخول فيه حتى عد بعضهم الآية من أكبر المشكلات ; لأن تحريم تلك الطيبات على بني إسرائيل كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون الصد عن الإيمان به سببا لها ، والسبب يجب أن يكون قبل المسبب ؟ ويتفصى بعضهم من الإشكال بجعل هذا الصد متعلقا بفعل محذوف كما تقدم ، وتساءل بعضهم : من حرم ذلك عليهم ومتى كان ؟ وبمثل هذه الأفهام الضعيفة ، وتقليد بعضهم لبعض ، يولدون لنا شبها على القرآن وأصل الدين ، ينقلها الكافرون به عنهم ، ويطعنون بها في بلاغته وبيانه ، والصواب ما جرينا عليه أولا ، وأن صدهم عن سبيل الله هو إعراضهم عن هداية دينهم غواية وإغواء ، وذلك مفصل في كتبهم الدينية .