والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر يجوز أن يكون هذا عطفا على الراسخون وعلى ضمير يؤمنون بما أنزل إليك وأن يكون مبتدأ خبره محذوف ; أي والمؤتون الزكاة ، والمؤمنون بالله واليوم الآخر يؤمنون بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك . أو كذلك ، أي مثل أولئك المؤمنين ، أو مثل المقيمين الصلاة في استحقاق المدح بالتبع ، وإقامة الصلاة تستلزم إيتاء الزكاة دون العكس ، فإن الذي يقيم الصلاة لا يمكن أن يمنع الزكاة ; لأن الصلاة تعلي همته ، وتزكي نفسه ، فيهون عليه ماله ، وقد قال ، تعالى : إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ( 70 : 19 - 22 ) إلخ .
وقد يرد ههنا سؤال ، وهو أن من سنة القرآن أن يذكر الإيمان بالله قبل العمل الصالح ، سواء ذكر الإيمان غفلا مطلقا ، أو ذكرت أركانه كلها أو بعضها كقوله ، تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( 18 : 107 ) ومثلها كثير وكقوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ( 2 : 62 ) والجواب : أن القاعدة الأساسية في التقديم والتأخير هي أن يقدم الأهم ; الذي يقتضيه السياق لا الأهم في ذاته ; ولذلك قال - تعالى - في سياق تخطئة المفاخرين بدينهم بالأماني ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ( 4 : 124 ) بعدما قال في الآية التي قبلها ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به فالسياق لبيان أن العبرة بالعمل بالدين ، لا بالانتماء إليه وإلى الرسول الذي جاء به والفخر بذلك ، فقدم ذكر العمل على الإيمان ، والسياق الذي نحن فيه هو بيان أحوال أهل الكتاب في عصر نبينا - صلى الله عليه وسلم - فكان المهم أولا بيان إيمان خيارهم بما أنزل إليه كإيمانهم بما أنزل إلى أنبيائهم من قبله ، ثم كون هذا الإيمان إذعانيا يترتب عليه العمل ، واكتفى منه بأعلى أنواع العبادات البدنية والمالية ، ثم ختم الكلام بوصفهم بأول صفات الكمال ; أي بالإيمان بالله واليوم الآخر ، ويجوز أن يراد بالمؤمنين هنا : المهاجرون والأنصار ، وبالمؤمنين في أول الآية : المؤمنون من أهل الكتاب .
أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما أي أولئك الموصوفون بما ذكر كله سنعطيهم في الآخرة أجرا عظيما ، لا يدرك كنهه في الدنيا أحد منهم .