واستدل بعضهم بتأكيد الفعل على كون لموسى لم يكن بواسطة الملك ، يعنون أنه لو قال هنا كما قال في سورة البقرة : تكليم الله منهم من كلم الله ( 2 : 253 ) ولم يزد عليه كلمة ( تكليما ) المؤكدة لجاز أن يكون التكليم مجازيا ، فإن الفراء قال : إن العرب تسمي ما وصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر ، فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام . وقال بعضهم : إن هذا التأكيد لا يمنع أن يكون التكليم نفسه مجازيا ; لأنه يمنع المجاز في الفعل لا في الإسناد ، بل يجوز أن يسند الكلام المؤكد بمثله إلى المبلغ عن المتكلم ، كما يبلغ عن الملك حاجبه أو وزيره ، وعن المرأة المحجبة زوجها أو ولدها ، أقول : ومنه إسناد الكلام إلى الترجمان ; إذ المقصد من التكليم توجيه الخطاب إلى المخاطب ولو بواسطة الترجمان أو غيره ، والمقصد من الكلام معناه ، إلا أن يكون رسالة مقصودة لذاتها . ولكن نقل عنهم تأكيد الفعل المستعمل في حقيقته دون مجازه ; كقول هند بنت النعمان في زوجها وزير روح بن زنباع : عبد الملك بن مروان
بكى الخز من روح وأنكر جلده وعجت عجيجا من جذام المطارف
فأكدت " عجت " مع العلم بأنه مجاز ; لأن المطارف جمع مطرف بالكسر والضم وهو رداء له خز له أعلام لا تعج ( والعجيج : الصياح ) .