وإن كانوا إخوة رجالا ونساء أي وإن كان من يرثون بالأخوة كلالة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين منهم على القاعدة في كل صنف اجتمع منه أفراد في درجة واحدة ، إلا أولاد الأم فإنهم شركاء في سدس أمهم لحلولهم محلها ، ولولا ذلك لم يرثوا ; [ ص: 92 ] لأنهم ليسوا من عصبة الميت . وفي العبارة تغليب الذكور على الإناث وهو معروف في اللغة .
يبين الله لكم أن تضلوا أي يبين الله لكم أمور دينكم ، ومن أهمها تفصيل هذه الفرائض وأحكامها ، كراهة أن تضلوا ، أو تفاديا منها من أن تضلوا ، والمراد لتتقوا بمعرفتها والإذعان لها الضلال في قسمة التركات وغيرها ، هذا هو التوجيه المشهور زدناه بيانا بالتصرف في التقدير ، وهو على هذا مفعول لأجله . وقدم البيضاوي عليه وجها آخر ، فقال : " أي يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم ، إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه " ونقل الرازي عن الجرجاني صاحب النظم أنه قال : " يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتجتنبوها " اهـ .
والكوفيون يقدرون حرف النفي ، أي : لئلا تضلوا .
والأول الذي عليه البصريون أظهر ، وفي حديث ابن عمر : " لا يدعو أحدكم على ولده أن يوافق من الله ساعة إجابة " قيل : معناه لئلا يوافق ساعة إجابة ، والأظهر تقدير البصريين : أي كراهة أن يوافق ساعة إجابة ، وفي معنى الكراهة الحذر والتفادي ، وهو استعمال معروف وتكرر في القرآن والله بكل شيء عليم فما شرع لكم هذه الأحكام وسواها ، إلا عن علم بأن فيها الخير لكم وحفظ مصالحكم ، وصلاح ذات بينكم ، كما هو شأنه في جميع أحكامه وأفعاله ، كلها موافقة للحكمة الدالة على إحاطة العلم وسعة الرحمة .
ومن مباحث اللفظ والأسلوب في الآية أنها تدل على أن المعلوم من السياق له حكم المذكور في اللفظ حتى في إعادة الضمير عليه ، فلا يتعين تقدير لفظ المرء في بيان مرجع ضمير " وهو يرثها " بل يصح أن نقول : إن المعنى : " وهو " أي أخوها ، يرثها إلخ . ومثله قوله : فإن كانتا وإن كانوا .
ومن مباحث تاريخ القرآن وأسباب نزوله : ما روي من كون هذه الآية آخر آية نزلت . روى الشيخان والترمذي والنسائي ، وغيرهم عن البراء ، قال : آخر سورة نزلت كاملة " براءة " أي التوبة ، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة أي من آيات الفرائض ، كما صرح به بعضهم ، وبهذا لا تنافي ما رواه البخاري عن ابن عباس ، قال : آخر آية نزلت آية الربا ، وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ، وفي بعض الروايات عن عمر التعبير بقوله : " من آخر ما نزل آية الربا " رواه أحمد وابن ماجه ، قالوا : المراد بآية الربا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( 2 : 278 ) الآية . وذكر عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي ، ولم يفسرها ، وفي روايات ضعيفة عن ابن عباس ، أن آخر آية نزلت ، أو آخر ما نزل ، قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( 2 : 281 ) الآية ، وهي بعد آيات الربا من سورة البقرة التي تقدم أنها من آخر ما نزل ، أو آخره . قال في رواية الكلبي عن أبي صالح عنه : وكان بين نزولها وبين موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد وثمانون [ ص: 93 ] يوما . ورواية الكلبي عن أبي صالح هي أوهى الروايات عن ابن عباس ، فلا يعتد بها ، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : " أنها آخر ما نزل من القرآن كله ، قال : وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية ، تسع ليال ، ومات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ) وفي هذه الرواية بحث ليس هذا محله . وجملة القول أنه لا سبيل إلى القطع بآخر آية نزلت من القرآن ، وإنما نقول : إن هذه الآية من آخر ما نزل قطعا ، ويجوز أن تكون آخرها كلها ، والله أعلم .


