واذكروا اسم الله عليه الظاهر المتبادر من هذا الأمر : اذكروا اسم الله على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد عند أكله ، والمشهور أن المراد به التسمية عند إرسال الكلب [ ص: 146 ] ونحوه أخذا من حديث عدي بن حاتم وفي رواية : إذا أرسلت كلبك وسميت ، فأخذ فقتل فكل وفي رواية : فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره ، وقد قتل فلا تأكل ; فإنك لا تدري أيهما قتله ، وقد يقال : إن هذا لم يرد في تفسير الآية ، فهو حكم قد ثبت بالسنة على رأي من يقول : إن الأحكام تثبت بها ، وإن لم يكن لها أصل في الكتاب ، أو هو مأخوذ من آية أخرى كظاهر : فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( 6 : 121 ) أو يقال : إن التسمية عند إرسال الكلب سنة .
وقد اختلف العلماء في حكم التسمية ; إذ ليس فيها نص صريح أجمع السلف عليه . روى عن ابن جرير أنه قال في تفسير الآية هنا : إذا أرسلت جوارحك ، فقل بسم الله ، وإن نسيت ، فلا حرج . فهو يرى أن ابن عباس سنة ، وقد روي ذلك عن أبي هريرة أيضا ، وتقدم عن طاوس ، وروى التسمية عند إرسال الكلب البخاري والنسائي من حديث وابن ماجه عائشة ، " قال : وكانوا حديثي عهد بالكفر . وهذا يؤيد ما قلناه قبل من أن ظاهر الآية طلب التسمية عند الأكل ، وأما فقهاء الأمصار فقد قال أن قوما قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : " سموا عليه أنتم وكلوا منهم بأن الشافعي مستحبة ، لا واجبة ولا شرط ، وقال التسمية على الذبيحة أبو حنيفة ومالك ، وأحمد في المشهور عنه : هي واجبة ، وتسقط مع السهو والنسيان ، وفي رواية عن أحمد أنها تجب مطلقا . والعمدة في هذا الباب آية الأنعام ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( 6 : 121 ) فقد ذهب بعض مفسري الأثر إلى أن المراد به ما ذبح لغير الله ، وذهب آخرون إلى أنه عام في جميع الذبائح ، قال بعد ذكر الروايات في الآية : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عنى بذلك : ما ذبح للأصنام والآلهة ، أو ما مات ، أو ذبحه من لا تحل ذبيحته ، وأما من قال عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله - فقول بعيد من الصواب ; لشذوذه ، وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله ، وكفى بذلك شاهدا على فساده ، وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى " لطيف القول في أحكام شرائع الدين " فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، وأما قوله : ابن جرير وإنه لفسق فإنه يعني أن من الميتة وما أهل به لغير الله لفسق . اهـ . وخصه بعض الشافعية بما أهل به لغير الله ، وجعل الجملة حالية أخذا من قوله ، تعالى : أكل ما لم يذكر اسم الله عليه أو فسقا أهل لغير الله به ( 6 : 145 ) وهذا هو المختار عندنا ، وسنعود إلى هذا المبحث في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .
واتقوا الله إن الله سريع الحساب أي واتقوا الله أيها المؤمنون فيما أمركم به بأن تأتمروا به ، وفيما نهاكم عنه بأن تنتهوا عنه ، إن الله سريع الحساب ; لأن سنته في الجزاء على الأعمال أنه أثر طبيعي لها ، لا يتخلف عنها ، فاعلموا أنه لا يضيع شيئا من أعمالكم ، بل تحاسبون وتجازون [ ص: 147 ] عليها في الدنيا والآخرة ، وهو يحاسب الناس كلهم يوم القيامة في وقت واحد ، فأجدر بحسابه أن يكون سريعا ، وقد تقدم تفسير هذه الجملة في سورة البقرة فليرجع إليه من شاء .