[ ص: 163 ] ( حكمة تحريم الميتة ) بينا ( في ص 818 و 819 م 6 المنار ) حكمة تحريم من ثلاث وجوه ، أو ذكرنا له ثلاث حكم : ما مات حتف أنفه
( 1 ) تعظيم شأن القصد في الأمور كلها ليكون الإنسان معتمدا على كسبه وسعيه ، فإن التزكية عبارة عن إزهاق روح الحيوان لأجل أكله ، ولها صور وكيفيات كثيرة ، كما علم من تفسيرنا للآية .
( 2 ) أن الميت حتف أنفه يغلب أن يكون قد مات لمرض أو أكل نبات سام ، وبذلك يكون لحمه ضارا ، وكذا إذا مات من شدة الضعف وانحلال الطبيعة .
( 3 ) استقذار الطباع السليمة له واستخباثه وعد أكله مهانة تنافي عزة النفس وكرامتها ، ثم قلنا هنالك ما نصه :
" وأما ما هو في معنى الميتة حتف أنفها من المنخنقة والموقوذة إلخ ، فيظهر في علة تحريمه كل ما ذكر إلا حكمة توقي الضرر في الجسم ، فيظهر فيه بدلها تنفير الناس عن تعريض البهيمة للموت بإحدى هذه الميتات القبيحة في حال من الأحوال ، وأن يعرفوا أن الشرع يأمر بالمحافظة على حياة الحيوان ، وينهى عن تعذيبه ، أو تعريضه للتعذيب ، ويعاقب من يتهاون في ذلك بتحريم أكل الحيوان عليه كيلا يتهاون في حفظ حياته ، فإن الرعاة يغضبون أحيانا على بعض البهائم ، فيقتلونه بالضرب ، ويحرشون بين البهائم فيغرون الكبشين بالتناطح حتى يهلكا أو يكادا ، ومن كان يرعى أنعام غيره بالأجرة يقع له مثل هذا أكثر ، ولو كان كل ما هلك بتلك الميتات حلالا لما بعد أن يتعمد الرعاة وأمثالهم من التحوت تعريض البهائم لها ليأكلوها بعذر ، ويدل على هذه الحكمة أحاديث صحيحة ; منها قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد - وهو الرمي بالحصا - والبندق - الطين المشوي - لذلك : النهي عن الحذف رواه إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين أحمد والبخاري ومسلم . انتهى .
ثم ذكرنا ( في ص 822 م 6 ) حكمة أخرى في ضمن مقالة وعظية لعالم مغربي أيد بها فتوى الأستاذ الإمام ، قال : وهل عرف أولئك العلماء حكمة الذبح المعتاد ، وشيوعه بين المسلمين بقطع الحلقوم والمريء ، مع قيام غيره مقامه في الصيد والدابة الشاردة والسمك والجراد والجنين في بطن أمه ؟ فليعلموا أن كل قتل بحسب الأصل موصل للمقصود ، ولكن الله لحكمته ورحمته بنا وبالحيوان ، جعل بيننا قسمة عادلة ومنة عامة ، فحرم علينا ما قتله الحيوان ، وما مات في الخلاء بغير قصد منا ، ليبقى ذلك كله للحيوان يأكله ; لأنها أمم أمثالنا ، وكأنه - تعالى - لم يرض أن نأكل ما لم نقصده ولم نفكر فيه ، فأما المذكى والصيد والسمك ، والجراد ونحوها ، فإنها كلها لا تؤخذ إلا بالنصب والتعب . انتهى .
أقول : إنني لما رأيت هذه الحكمة التي لم تكن خطرت في بالي تذكرت أن أراجع كتاب حجة الله البالغة ; لعلي أجد فيه من الحكمة ما أقتبسه في هذا المقال ، فرأيته أطال في بيان [ ص: 164 ] مراعيا فيها المعتمد في بعض المذاهب ، ولم يذكر في الميتة والدم المسفوح إلا أنهما نجسان ، وفي الخنزير إلا أنه مسخ بصورته قوم ، وقد أعجبني في هذا الباب قوله : " في اختيار أقرب طريق لإزهاق الروح اتباع داعية الرحمة ، وهي خلة يرضى بها رب العالمين ، ويتوقف عليها أكثر المصالح المنزلية والمدنية ، قال صلى الله عليه وسلم : حكمة محرمات الطعام أقول : كانوا يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم ، وفي ذلك تعذيب ومناقضة لما شرع الله من الذبح ، فنهي عنه . ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة أقول : ههنا شيئان مشتبهان لا بد من التمييز بينهما ، أحدهما : الذبح للحاجة واتباع إقامة مصلحة النوع الإنساني ، والثاني : السعي في الأرض بإفساد نوع الحيوان ، واتباع داعية قسوة القلب . انتهى . وهو موافق ومؤيد لما ذكرناه من قبل . قال صلى الله عليه وسلم : من قتل عصفورا فما فوقه بغير حقه سأله الله - عز وجل - عن قتله قيل : يا رسول الله وما حقه ؟ قال : أن يذبحه فيأكله ، ولا يقطع رأسه فيرمي به