[ ص: 180 ] ( واقعة في ) قد علم القراء أن بعض أهل الأهواء هبوا منذ عشر سنين لمعارضة فتوى الأستاذ الإمام في حل ذبائح أهل الكتاب . وقد أطلعنا بعض تلاميذنا القوقاسيين في هذه الأيام على كتاب لبعض أدعياء العلم في التشديد في ذبائح أهل الكتاب القوقاس ، يشنع فيه على الأستاذ الإمام وعلى المنار ، وينكر عليهما بعض المسائل التي لا يعقلها مثله ، ومنها مسألة حل طعام الذين أوتوا الكتاب وحل نسائهم ، فذكرنا ذلك في واقعة وقعت من زهاء قرن في هذه البلاد تلافاها علماء الأزهر ، وقد نشرناها ( في ص 786 من مجلد المنار السادس نقلا عن الجزء الرابع من تاريخ الجبرتي في حوادث سنة 1236 ) قال : " وفيه من الحوادث أن الشيخ إبراهيم الشهير بباشا المالكي بالإسكندرية قرر في درس الفقه أن ذبيحة أهل الكتاب في حكم الميتة ، لا يجوز أكلها ، وما ورد من إطلاق الآية ، فإنه قبل أن يغيروا ويبدلوا في كتبهم ، فلما سمع فقهاء الثغر ذلك أنكروه واستغربوه ، ثم تكلموا مع الشيخ إبراهيم المذكور وعارضوه ، فقال : أنا لم أذكر ذلك بفهمي وعلمي ، وإنما تلقيت ذلك عن الشيخ علي المليلي المغربي ، وهو رجل عالم متورع وموثوق بعلمه ، ثم إنه أرسل إلى شيخه المذكور بمصر يعلمه بالواقع ، فألف رسالة في خصوص ذلك وأطنب فيها ، فذكر أقوال المشايخ والخلافات في المذاهب ، واعتمد قول الإمام في المنع وعدم الحل ، وحشا الرسالة بالحط على علماء الوقت وحكامه ، وهي نحو الثلاث عشرة كراسة - كذا - وأرسلها إلى الطرطوشي الشيخ إبراهيم فقرأها على أهل الثغر ، فكثر اللغط والإنكار ، خصوصا وأهل الوقت أكثرهم مخالفون للملة ، وانتهى الأمر إلى الباشا ، فكتب مرسوما إلى كتخدا بيك بمصر ، وتقدم إليه بأن يجمع مشايخ الوقت لتحقيق المسألة ، وأرسل إليه أيضا بالرسالة المصنفة ، فأحضر كتخدا بيك المشايخ وعرض عليهم الأمر ، فلطف الشيخ محمد العروسي العبارة ، وقال : " الشيخ علي المليلي رجل من العلماء تلقى عن مشايخنا ومشايخهم ، لا ينكر علمه وفضله ، وهو منعزل عن خلطة الناس ، إلا إنه حاد المزاج ، وبعقله بعض خلل ، والأولى أن نجتمع به ونتذاكر في غير مجلسكم ، وننهي بعد ذلك الأمر إليكم " .
فاجتمعوا في ثاني يوم وأرسلوا إلى الشيخ علي يدعونه للمناظرة ، فأبى عن الحضور وأرسل الجواب مع شخصين من مجاوري المغاربة ، يقولان : إنه لا يحضر مع الغوغاء ، بل يكون في مجلس خاص يتناظر فيه مع الشيخ محمد بن الأمير بحضرة الشيخ حسن القويسني والشيخ حسن العطار فقط ; لأن ابن الأمير يناقشه ويشن عليه الغارة ، فلما قالا ذلك القول تغير ابن الأمير وأرعد وأبرق ، وتشاتم بعض من بالمجلس مع الرسل ، وعند ذلك أمروا بحبسهما في بيت الأغا ، وأمروا الأغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي وإحضاره بالمجلس ولو قهرا عنه ، فركب [ ص: 181 ] الأغا وذهب إلى بيت المذكور فوجده قد تغيب ، فأخرج زوجته ومن معها من البيت وسمر البيت ، فذهبت إلى بيت بعض الجيران .
ثم كتبوا عرضا محضرا وذكروا فيه بأن الشيخ عليا على خلاف الحق ، وأبى عن حضور مجلس العلماء والمناظرة معهم في تحقيق المسألة وهرب واختفى ; لكونه على خلاف الحق ، ولو كان على الحق ما اختفى ولا هرب ، والرأي لحضرة الباشا فيه إذا ظهر ، وكذلك في الشيخ إبراهيم باشا السكندري - كذا - وتمموا العرض وأمضوه بالختوم الكثيرة وأرسلوه إلى الباشا ، وبعد أيام أطلقوا الشخصين من حبس الأغا ورفعوا الختم عن بيت الشيخ علي ، ورجع أهله إليه ، وحضر الباشا إلى مصر في أوائل الشهر ورسم بنفي الشيخ إبراهيم باشا إلى بني غازي ، ولم يظهر الشيخ من اختفائه " انتهى .
( استدراك في حكمة الذبح وتحريم الدم ) قال لنا أحد الأطباء بعد قراءة ما كتبناه في حكمة تحريم الدم في المنار : إن تجربة حقن الإنسان بدم الحيوان لم تنجح ، فهو ضار ، وإن ذبح الحيوان الكبير أو نحره أنفع ; لأنه ينهر الدم الضار ، وإن المواد الميتة في الدم ليست عفنة ، بل سامة . انتهى . قلت : مرادي بعفنة : المعنى اللغوي ، لا الطبي أي فاسدة ضارة .