( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون  فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون    )  
هذا هو أول القصة المحتوية على المخالفة على ما أشرنا إليه وهي القتل ، ثم التنازع في القاتل ثم تشريع الحكم لكشف الحقيقة بذبح البقرة وما كان من إلحاحهم في السؤال على ما سبق . 
فقوله - تعالى - : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها    ) أسند فيه القتل إلى الأمة ، وإن كان القاتل واحدا باعتبار ما تقدم من كونها في مجموعها وتكافلها كالشخص الواحد . والتدارؤ : تفاعل من الدرء وهو الدفع ، فمعناه : التدافع ، وهو يدل على أنه كان خصام واتهام ، وكان كل يدرأ عن نفسه ويدعي البراءة ويتهم غيره ، وكان للقاتلين والعارفين بهم حظوظ وأهواء كتموا فيها الحقيقة ، ولذلك قال - تعالى - بعد التذكير بالجريمة : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون    ) من الإيقاع بقوم برآء تتهمونهم بالقتل لإخفاء القاتل ؛ لأنه لا يخفى عليه مكركم . 
وأما قوله : ( فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى    ) فهو بيان لإخراج ما يكتمون . 
ويروون في هذا الضرب روايات كثيرة . قيل : إن المراد اضربوا المقتول بلسانها ، وقيل : بفخذها   [ ص: 291 ] وقيل: بذنبها . وقالوا : إنهم ضربوه فعادت إليه الحياة وقال : قتلني أخي أو ابن أخي فلان إلى آخر ما قالوه ، والآية ليست نصا في مجمله فكيف بتفصيله ؟ والظاهر مما قدمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ؛ ليعرف الجاني من غيره ، فمن غسل يده وفعل ما رسم لذلك في الشريعة بريء من الدم ، ومن لم يفعل ثبتت عليه الجناية . ومعنى إحياء الموتى - على هذا - حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك ، بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام ، وهذا الإحياء على حد قوله - تعالى - : ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا    ) ( 5 : 32 ) وقوله : ( ولكم في القصاص حياة    ) ( 2 : 179 ) فالإحياء هنا معناه الاستبقاء كما هو المعنى في الآيتين . ثم قال : ( ويريكم آياته    ) بما يفصل في الخصومات ، ويزيل من أسباب الفتن والعداوات ، فهو كقوله - تعالى - : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله    ) ( 4 : 105 ) ، وأكثر ما يستعمل مثل هذا التعبير في آيات الله في خلقه الدالة على صدق رسله ، وليس عندي شيء عن شيخنا في تفسير هذه الجملة ، ولكنه قال في تعليلها ما يرجح القول الأول وهو ( لعلكم تعقلون    ) أي تفقهون أسرار الأحكام ، وفائدة الخضوع للشريعة ، فلا تتوهمون أن ما وقع مختص بهذه الواقعة في هذا الوقت ، بل يجب أن تتلقوا أمر الله في كل وقت بالقبول من غير تعنت . 
				
						
						
