( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) أقام الله تعالى البرهان من حال المسيح وأمه على بطلان كونه إلها ، وبين ما يشاركان به أشرف البشر من المزية الخاصة ، وما يشاركان به سائر البشر من صفاتهم العامة . وقفى على ذلك بالتعجيب من بعد التفاوت ما بين قوة الآيات التي حجهم بها ، وشدة انصرافهم عنها ، ثم لقن نبيه حجة أخرى يوردها في سياق الإنكار عليهم ، وتبكيتهم على عبادة ما لا فائدة في عبادته ، فقال : ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) أي قل أيها الرسول ، لهؤلاء النصارى وأمثالهم الذين عبدوا غير الله ، أتعبدون من دون الله - أي متجاوزين عبادة الله وحده - ما لا يملك لكم ضرا تخشون أن يعاقبكم به إذا تركتم عبادته ، وترجون أن يدفعه [ ص: 405 ] عنكم إذا أنتم عبدتموه ، ولا يملك لكم نفعا ترجون أن يجزيكم به ، إذا عبدتموه ، وتخافون أن يمنعه عنكم إذا كفرتموه ؟ ! ( والله هو السميع العليم ) أي والحال أن الله تعالى هو السميع لأدعيتكم وسائر أقوالكم ، العليم بحاجاتكم وسائر أحوالكم ، فلا ينبغي لكم أن تدعوا غيره ، ولا أن تعبدوا سواه .
ولما كان قول النصارى في المسيح من أشد الغلو في الدين بتعظيم الأنبياء فوق ما يجب ، وكان إيذاء اليهود له وسعيهم لقتله من الغلو في الجمود على تقاليد الدين الصورية ، واتباع الهوى فيه ، وكان هذا الغلو هو الحامل لهم على قتل زكريا ويحيى وشعيا قال تعالى :