( 2 جواز ) . الحنث للمصلحة الراجحة والتكفير قبله
روى أحمد والشيخان في صحيحيهما عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الرحمن بن سمرة وفي لفظ " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وفي لفظ عند " فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير " أبي داود وصححه الحافظ والنسائي ابن حجر في بلوغ المرام وروى " فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير " أحمد ومسلم والنسائي عن وابن ماجه ، عدي بن حاتم وأحمد ومسلم عن والترمذي ما هو معنى حديث أبي هريرة ، في بعض روايتهم تقدم الأمر بالكفارة وفي بعضها تأخيره ، فدل ذلك على جواز الأمرين ، ورواية عبد الرحمن بن سمرة أبي داود والنسائي نص في جواز التأخير بل ظاهرها وجوبه ، قال بعضهم : لولا الإجماع المنقول على جواز " فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير " لتعين القول بوجوبه عملا بظاهر هذا الحديث . [ ص: 37 ] ومن أراد الحنث اختيارا لما هو خير مما حلف عليه أو مطلقا وقدم الكفارة كان بشروعه في الحنث غير شارع في إثم ، لأنه بتقديم الكفارة عنه صار مباحا له ، ومن قدم الحنث كان شارعا في معصية وقد يموت قبل أن يتمكن من الكفارة ، ولعل هذه هي حكمة إرشاد الحديث إلى تقديم الكفارة ، وبهذه الحكمة تبطل الفلسفة المتكلفة التي تعلل بها مانعو التقديم . تأخير الكفارة
وينقسم الحلف باعتبار المحلوف عليه إلى أقسام :
( 1 ) أن ، فهذه تأكيد لما كلفه الله إياه فيحرم الحنث ويكون إثمه مضاعفا . يحلف على فعل واجب أو ترك حرام
( 2 ) أن ، فهذا يجب عليه الحنث ، لأن يمينه معصية ، ومنه الحلف على إيذاء الوالدين وعقوقهما أو منع ذي حق حقه الواجب له . يحلف على ترك واجب أو فعل محرم
( 3 ) أن ، فهذا طاعة فيندب له الوفاء ويكره الحنث ، كذا قال بعضهم والظاهر وجوب الوفاء كما قالوا في النذر . يحلف على فعل مندوب أو ترك مكروه
( 4 ) أن ، فيستحب له الحنث ويكره التمادي كذا قالوا ، وظاهر الحديث وجوب الكفارة والحنث مطلقا أو بالتفصيل الآتي فيما بعد . يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه
( 5 ) أن وقد اختلفوا فيه ، قال يحلف على ترك مباح الشوكاني : فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف وقال ابن الصباغ ورجحه المتأخرون : إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ، وإن كان مستوى الطرفين فالأصح أن التمادي أولى ( أي من الحنث ) لأنه قال أي في الحديث السابق " فليأت الذي هو خير " إلخ اهـ .
أقول : وقد غفلوا عن نهي القرآن عن تحريم الطيبات مطلقا ، وأن آية كفارة الأيمان وردت في هذا السياق ، والظاهر أن الحنث واجب إذا حلف على ترك جنس من المباح كالطيب من الطعام ، دون ما إذا حلف على ترك طعام معين كالطعام الذي في هذه الصفحة مثلا ، فإن الأول من قبيل التشريع بتحريم ما أحل الله كما فعلت الجاهلية في تحريم بعض الطيبات ، وكفر بنعم الله ، والثاني أمر عارض لا يشبه التشريع ، فإن كان في الحنث فائدة كمجاملة الضيف أو إدخال السرور على الأهل فالظاهر المستجاب الحنث كما فعل في تحريمه الطعام ثم أكل منه لأجل الضيف ، كما تقدم في تفسير الآية السابقة ، وقد عاتب الله تعالى نبيه على تحريم ما أحل له في واقعة معلومة وامتن عليه وعلى المؤمنين بأنه فرض لهم تحلة أيمانهم كما هو مبين في أول سورة التحريم ، وكل ما يدل على تحريم الحلال يسمى يمينا ومثله النذر الذي يلتزم به فعل شيء ، أو تركه .
عبد الله بن رواحة