ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
ليس عليك هداهم أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه قوله : ولكن الله يهدي من يشاء هداية توصله إلى المطلوب ، وهذه الجملة معترضة وفيها الالتفات ، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله ، والمراد بقوله : من خير كل ما يصدق عليه اسم الخير كائنا ما كان ، وهو متعلق بمحذوف ، أي : أي شيء تنفقون كائنا من خير ، ثم بين أن النفقة المعتد بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه : أي لابتغاء وجه الله .
وقوله : يوف إليكم أي : أجره وثوابه على الوجه الذي تقدم ذكره من التضعيف .
قوله : للفقراء متعلق بقوله : وما تنفقوا من خير أو بمحذوف : أي اجعلوا ذلك للفقراء ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي إنفاقكم للفقراء الذين [ ص: 188 ] أحصروا في سبيل الله بالغزو أو الجهاد ، وقيل : منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف لا يستطيعون ضربا في الأرض للتكسب بالتجارة والزراعة ، ونحو ذلك بسبب ضعفهم ، قيل : هم فقراء الصفة ، وقيل : كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه .
ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم ، وهو كونهم متعففين عن المسألة وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء .
والتعفف تفعل ، وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء : إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه ، وفي يحسبهم لغتان : فتح السين ، وكسرها .
قال أبو علي الفارسي : والفتح أقيس ؛ لأن العين من الماضي مكسورة ، فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة .
فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة .
و " من " في قوله : من التعفف لابتداء الغاية ، وقيل : لبيان الجنس .
قوله : تعرفهم بسيماهم أي برثاثة ثيابهم وضعف أبدانهم وكل ما يشعر بالفقر والحاجة .
والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يصلح للمخاطبة ، والسيما مقصورة : العلامة ، وقد تمد .
والإلحاف : الإلحاح في المسألة ، وهو مشتق من اللحاف ، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف على التغطية .
لا يسألون الناس إلحافا أنهم لا يسألونهم ألبتة ، لا سؤال إلحاح ، ولا سؤال غير إلحاح . ومعنى قوله :
وبه قال الطبري وإليه ذهب جمهور المفسرين ، ووجهه أن التعفف صفة ثابتة لهم لا تفارقهم ، ومجرد السؤال ينافيها ، وقيل : المراد أنهم إذا سألوا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم ، وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد ، لكن صفة التعفف تنافيه ، وأيضا كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة . والزجاج ،
وقوله : بالليل والنهار يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق وشدة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلا ولا نهارا ، ويفعلونه سرا وجهرا عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين ، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال .
ودخول الفاء في خبر الموصول أعني قوله : فلهم أجرهم للدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها ، وقيل : هي للعطف ، والخبر للموصول محذوف : أي ومنهم الذين ينفقون .
وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فنزلت هذه الآية : ابن عباس ليس عليك هداهم إلى قوله : وأنتم لا تظلمون فرخص لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عنه قال : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن نحوه . سعيد بن جبير
وأخرج عن ابن أبي شيبة نحوه . ابن الحنفية
وأخرج عن ابن جرير قال : كان أناس من ابن عباس الأنصار لهم نسب وقرابة من قريظة والنضير ، وكان يتقون أن لا يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا ، فنزلت ليس عليك هداهم الآية .
وأخرج ابن المنذر عن عمرو الهلالي قال : سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنتصدق على فقراء أهل الكتاب ؟ فأنزل الله ليس عليك هداهم الآية .
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال في قوله : عطاء الخراساني وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله قال : إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله .
وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن في ابن عباس للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله قال : هم قوله : أصحاب الصفة .
وأخرج ابن سعد عن نحوه . محمد بن كعب القرظي
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم مجاهد قال : هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمروا بالصدقة عليهم .
وأخرج عن ابن جرير الربيع في قوله : الذين أحصروا في سبيل الله قال : حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو فلا يستطيعون تجارة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال : هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زمنى ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقا . سعيد بن جبير
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : رجاء بن حيوة لا يستطيعون ضربا في الأرض قال : لا يستطيعون تجارة .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم نحوه . السدي
وأخرج عن ابن أبي حاتم الحسن في قوله : يحسبهم الجاهل أغنياء قال : دل الله المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم ، وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضي عنهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : تعرفهم بسيماهم قال : التجشع .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم الربيع أن معناه تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة .
وأخرج عن ابن جرير ابن زيد تعرفهم بسيماهم قال : رثاثة ثيابهم ، وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبي هريرة لا يسألون الناس إلحافا وقد ورد في تحريم المسألة أحاديث كثيرة إلا لذي سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا . ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، واقرءوا إن شئتم :
وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار في أصحاب الخيل . أنزلت هذه الآية
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وابن عساكر نحوه قال : فيمن لا يربطها خيلاء ولا رياء ولا سمعة . أبي أمامة الباهلي
وأخرج عن ابن جرير نحوه . أبي الدرداء
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن [ ص: 189 ] وابن أبي حاتم أنه سمع حنش الصنعاني يقول في هذه الآية : هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله . ابن عباس
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق وابن عساكر عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن في هذه الآية ، قال : نزلت في ابن عباس كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما ، وبالنهار درهما ، ودرهما سرا ، ودرهما علانية . علي بن أبي طالب
وعبد الوهاب ضعيف ولكن قد رواه ابن مردويه من وجه آخر عن . ابن عباس
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال : هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد .
وأخرج ابن المنذر عن قال : نزلت في سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة . وعثمان بن عفان