فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما
التفاوت بين درجات من قعد عن الجهاد من غير عذر ، ودرجات من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه وإن كان معلوما ، لكن أراد سبحانه بهذا الإخبار تنشيط المجاهدين ليرغبوا وتبكيت القاعدين ليأنفوا ، قوله : ( غير أولي الضرر ) قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو بالرفع على أنه وصف للقاعدين كما قال الأخفش ؛ لأنهم لا يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير .
وقرأ أبو حيوة بكسر الراء على أنه وصف للمؤمنين ، وقرأ أهل الحرمين بفتح الراء على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين ؛ أي : إلا أولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين .
ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من القاعدين ؛ أي : لا يستوي القاعدون الأصحاء في حال صحتهم ، وجازت الحال منهم ؛ لأن لفظهم لفظ المعرفة ، قال العلماء : أهل الضرر هم أهل الأعذار لأنها أضرت بهم حتى منعتهم عن الجهاد ، وظاهر النظم القرآني أن صاحب العذر يعطى مثل أجر المجاهد - وقيل : يعطى أجره من غير تضعيف ، فيفضله المجاهد بالتضعيف لأجل المباشرة ، قال القرطبي : والأول أصح إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر قال : وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر ( إن ) . إذا مرض العبد قال الله تعالى : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي
قوله : فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالا ، والمراد هنا غير أولي الضرر حملا للمطلق على المقيد ، وقال هنا : ( درجة ) وقال فيما بعد ( درجات ) فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد ، وقال آخرون : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات ، قاله ، ، ، ابن جريج والسدي وغيرهما ، وقيل : إن معنى ( درجة ) علوا ؛ أي : أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح ، و ( درجة ) منتصبة على التمييز أو المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل ؛ أي : فضل الله تفضيله أو على نزع الخافض أو على الحالية من المجاهدين ؛ أي : ذوي درجة .
قوله : و ( كلا ) مفعول أول لقوله : ( وعد الله ) قدم عليه لإفادته القصر ؛ أي : كل واحد من المجاهدين والقاعدين وعده الله الحسنى ؛ أي : المثوبة وهي الجنة ، قوله : ( أجرا ) هو منتصب على التمييز ، وقيل : على المصدرية لأن ( فضل ) بمعنى آجر ، فالتقدير : آجرهم أجرا ، وقيل : مفعول ثان ل ( فضل ) لتضمنه معنى الإعطاء ، وقيل : منصوب بنزع الخافض ، وقيل : على الحال من ( درجات ) مقدم عليها .
درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما وأما انتصاب ( درجات ومغفرة ورحمة ) فهي بدل من ( أجرا ) ، وقيل : إن ( مغفرة ورحمة ) ناصبهما أفعال مقدرة ؛ أي : غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة . وقد أخرج ، البخاري وأحمد ، وأبو داود ، ، والترمذي وغيرهم ، والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أملى عليه : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) فجاء زيد بن ثابت وهو يمليها علي فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان أعمى ، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وفخذه على فخذي ( ابن أم مكتوم غير أولي الضرر ) . عن
وقد أخرج هذا المعنى ، عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير من حديث وابن أبي حاتم البراء وأخرجه أيضا ، ، ، سعيد بن منصور وأحمد ، وأبو داود ، وابن المنذر ، ، والطبراني والحاكم وصححه من حديث عن أبيه . خارجة بن زيد بن ثابت
وأخرج الترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن قال : ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر عن بدر والخارجون إلى بدر . وأخرجه عنه أيضا عبد الرزاق ، ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير وابن المنذر . وأخرج ، عبد بن حميد ، والطبراني والبيهقي عنه قال : نزلت في قوم كانت تشغلهم أمراض وأوجاع ، فأنزل الله عذرهم من السماء . وأخرج ، سعيد بن منصور ، عن وعبد بن حميد قال : نزلت هذه الآية في أنس بن مالك ولقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء . ابن أم مكتوم ،
وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن جريج فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة قال : على أهل الضرر . وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : وكلا وعد الله الحسنى قال : الجنة .
وأخرج ، عن ابن جرير قال : كان يقال [ ص: 323 ] الإسلام درجة ، والهجرة درجة في الإسلام ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة . وأخرج ابن جريج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ( درجات ) قال : الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة . ابن محيريز
وأخرج نحوه عبد الرزاق في المصنف ، عن أبي مجلز . وأخرج ، البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أبي هريرة . إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة