ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة ، يقال : نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته ؛ أي : نزهته عما يستنكف منه ، قال : استنكف أي : أنف ، مأخوذ من نكفت الدمع ؛ إذا نحيته بأصبعك عن خديك ، وقيل : هو من النكف وهو العيب ، يقال : ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف ؛ أي : عيب ، ومعنى الأول : لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها . الزجاج
ومعنى الثاني : لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها ولا الملائكة المقربون عطف على المسيح ؛ أي : ولن يستنكف الملائكة المقربون عن أن يكونوا عبادا لله ، وقد استدل بهذا القائلون ، وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغني من جوع وادعى أن الذوق قاض بذلك ، ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب وشابه شوائب الجمود كان هكذا ، وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقالة إمام ولا مأموم أو لا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير ، ثم يدل هذا على أن المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه ، وعلى كل حال فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن أن تكون مركزا من المراكز الشرعية الدينية وجسرا من الجسور بتفضيل الملائكة على الأنبياء ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر أي : يأنف تكبرا ويعد نفسه عن العبادة فسيحشرهم إليه جميعا المستنكف وغيره ، فيجازي كلا بعمله .
وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه ، ولكون الحشر لكلا الطائفتين فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم من غير أن يفوتهم منها شيء [ ص: 347 ] وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما بسبب استنكافهم واستكبارهم ولا يجدون لهم من دون الله وليا يواليهم ( ولا نصيرا ) ينصرهم .
قوله : ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم بما أنزله عليكم من كتبه وبمن أرسله إليكم من رسله ، وما نصبه لهم من المعجزات ، والبرهان : ما يبرهن به على المطلوب وأنزلنا إليكم نورا مبينا وهو القرآن ، وسماه نورا لأنه يهتدى به من ظلمة الضلال .
فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به أي : بالله ، وقيل : بالنور المذكور فسيدخلهم في رحمة منه يرحمهم بها ( وفضل ) يتفضل به عليهم ( ويهديهم إليه ) أي : إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه وتفضله ( صراطا مستقيما ) أي : طريقا يسلكونه إليه مستقيما لا عوج فيه ، وهو التمسك بدين الإسلام وترك غيره من الأديان ، قال أبو علي الفارسي : الهاء في قوله : ( إليه ) راجعة إلى ما تقدم من اسم الله ، وقيل : راجعة إلى القرآن ، وقيل : إلى الفضل ، وقيل : إلى الرحمة والفضل لأنهما بمعنى الثواب ، وانتصاب ( صراطا ) على أنه مفعول ثان للفعل المذكور ، وقيل : على الحال .
وقد أخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : ابن عباس لن يستنكف المسيح لن يستكبر . وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن قال : ابن مسعود فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله قال : أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله :
وقد ساقه ابن كثير في تفسيره فقال : وقد روى ابن مردويه من طريق بقية ، عن إسماعيل بن عبد الله الكندي ، عن عن شقيق ، عن الأعمش فذكره وقال : هذا إسناد لا يثبت ، وإذا روي عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد . وأخرج ابن مسعود ، ابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة قد جاءكم برهان أي : بينة وأنزلنا إليكم نورا مبينا قال : هذا القرآن ، وأخرجا أيضا ، عن مجاهد قال : برهان حجة ، وأخرجا أيضا ، عن في قوله : ( واعتصموا به ) قال : القرآن . ابن جريج