( نعمة الله ) قيل : هي الإسلام .
والميثاق : العهد ، قيل : المراد به هنا : ما أخذه على بني آدم كما قال : وإذ أخذ ربك من بني آدم [ الأعراف : 172 ] الآية ، قال مجاهد وغيره : نحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الله به ، وقيل : هو خطاب لليهود ، والعهد : ما أخذه عليهم في التوراة ، وذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم إلى أنه العهد الذي أخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة عليهم ، وهو السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأضافه تعالى إلى نفسه ؛ لأنه عن أمره وإذنه كما قال : إنما يبايعون الله [ الفتح : 10 ] وبيعة العقبة مذكورة في كتب السير ، وهذا متصل بقوله : ( أوفوا بالعقود ) [ المائدة : 1 ] .
قوله : إذ قلتم سمعنا وأطعنا أي : وقت قولكم هذا القول ، وهذا متعلق بـ ( واثقكم ) ، أو بمحذوف وقع حالا ؛ أي : كائنا هذا الوقت ، و ( ذات الصدور ) ما تخفيه الصدور لكونها مختصة بها لا يعلمها أحد ، ولهذا أطلق عليها ذات التي بمعنى الصاحب ، وإذا كان سبحانه عالما بها فكيف بما كان ظاهرا جليا .
قوله : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين قد تقدم تفسيرها في النساء ، وصيغة المبالغة في ( قوامين ) تفيد أنهم مأمورون بأن يقوموا بها أتم قيام ( لله ) أي لأجله تعظيما لأمره وطمعا في ثوابه .
والقسط : العدل ، وقد تقدم الكلام على قوله : ( يجرمنكم ) مستوفى ؛ أي : لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل وكتم الشهادة ( اعدلوا هو ) أي : العدل المدلول عليه بقوله : اعدلوا ( أقرب للتقوى ) التي أمرتم بها غير مرة ؛ أي : أقرب لأن تتقوا الله ، أو لأن تتقوا النار .
قوله : لهم مغفرة وأجر عظيم هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله : ( وعد ) على معنى وعدهم أن لهم مغفرة ، أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه ، ومثله قول الشاعر :
وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعينا سلسبيلا
قوله : ( أصحاب الجحيم ) أي : ملابسوها ، قوله : ( إذ هم قوم ) ظرف لقوله : ( اذكروا ) أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالا منها : ( أن يبسطوا ) أي بأن يبسطوا ، وقوله : ( فكف ) معطوف على قوله : ( هم ) وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية ، وبه يتضح المعنى ، وقد أخرج ابن جرير في الكبير ، عن والطبراني في قوله : ابن عباس إذ قلتم سمعنا وأطعنا يعني حيث بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا : آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما في التوراة ، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به .وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : النعم : الآلاء ، وميثاقه الذي واثقكم به قال : الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام . وأخرج ، عن ابن جرير في قوله : عبد الله بن كثير ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط الآية ، قال : نزلت في يهود خيبر ، ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه ، فذلك قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا الآية . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل ، عن جابر بن عبد الله . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، فعلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله ، قال الأعرابي ، مرتين أو ثلاثا : من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : الله ، فشام الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه
قال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ، ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي ، ويتأول اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية . وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه ، وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث ، وأنه . لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الله ، سقط السيف من يده ، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : من يمنعك مني ؟ قال : كن خير آخذ ، قال : فشهد أن لا إله إلا الله
وأخرجه أيضا ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل [ ص: 360 ] عنه . وأخرج ابن نعيم في الدلائل عن : أن ابن عباس بني النضير هموا أن يطرحوا حجرا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه ، فجاء جبريل فأخبره بما هموا ، فقام ومن معه ، فنزلت : ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم الآية ، وروي نحو هذا من طرق عن غيره ، وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح .