قوله : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
قرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة من أنها وهي قراءة مجاهد ، ويؤيد هذه القراءة قراءة ( وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون ) قال ابن مسعود مجاهد وابن زيد : المخاطب بهذا : المشركون : أي وما يدريكم ، ثم حكم عليهم بقوله : أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
وقال الفراء وغيره : الخطاب للمؤمنين ، لأن المؤمنين قالوا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون ، فقال الله تعالى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
وقرأ أهل المدينة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر أنها إذا جاءت بفتح الهمزة ، قال الخليل : أنها بمعنى لعلها ، وفي التنزيل وما يدريك لعله يزكى [ عبس : 3 ] أي أنه يزكى ، وحكي عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا : أي لعلك ، ومنه قول : عدي بن زيد
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أي لعل منيتي ، ومنه قول دريد بن الصمة :أريني جوادا مات هزلا لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
[ ص: 442 ]
قلت لشيبان ادن من لقائه أني بعد اليوم من سوائه
هل أنتم عائجون بنا لأن نرى العرصات أو أثر الخيام
وقد وردت في كلام العرب كثيرا بمعنى لعله .
وحكى أنها كذلك في مصحف الكسائي . أبي بن كعب
وقال أيضا الكسائي : إن لا زائدة ، والمعنى : وما يشعركم أنها : أي الآيات ، إذا جاءت يؤمنون فزيدت كما زيدت في قوله تعالى : والفراء وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [ الأنبياء : 95 ] في قوله : ما منعك ألا تسجد [ الأعراف : 12 ] وضعف الزجاج والنحاس ، وغيرهما ، زيادة لا وقالوا : هو غلط وخطأ .
وذكر النحاس وغيره أن في الكلام حذفا والتقدير : أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، ثم حذف هذا المقدر لعلم السامع .
قوله : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم معطوف على لا يؤمنون قيل : والمعنى : تقليب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر كما لم يؤمنوا في الدنيا ونذرهم في الدنيا : أي نمهلهم ولا نعاقبهم فعلى هذا بعض الآية في الآخرة .
وبعضها في الدنيا ، وقيل : المعنى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في الدنيا : أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية كما حلنا بينهم وبين ما دعوتهم إليه أول مرة عند ظهور المعجزة ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقديم : أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا ، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ونذرهم في طغيانهم يعمهون : أي يتحيرون ، والكاف في كما لم يؤمنوا نعت مصدر محذوف ، وما مصدرية ، و يعمهون في محل نصب على الحال .
قوله : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة أي لا يؤمنون ولو نزلنا إليهم الملائكة كما اقترحوه بقولهم : لولا أنزل عليه ملك [ الأنعام : 8 ] وكلمهم الموتى الذين يعرفونهم بعد إحيائنا لهم ، فقالوا لهم : إن هذا النبي صادق مرسل من عند الله فآمنوا به لم يؤمنوا وحشرنا عليهم كل شيء مما سألوه من الآيات قبلا أي كفلا وضمنا بما جئناهم به من الآيات البينات .
هذا على قراءة من قرأ قبلا بضم القاف وهم الجمهور .
وقرأ نافع وابن عامر " قبلا " بكسرها : أي مقابلة .
وقال : قبلا بمعنى ناحية كما تقول لي : قبل فلان مال ، فقبلا نصب على الظرف ، وعلى المعنى الأول ورد قوله تعالى : محمد بن يزيد المبرد أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [ الإسراء : 92 ] أي يضمنون كذا قال الفراء .
وقال الأخفش : هو بمعنى قبيل قبيل أي : جماعة جماعة .
وحكى أبو زيد لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا كله واحد بمعنى المواجهة ، فيكون على هذا الضم كالكسر وتستوي القراءتان .
والحشر : الجمع ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله إيمانهم ، فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والاستثناء مفرغ ولكن أكثرهم يجهلون جهلا يحول بينهم وبين درك الحق والوصول إلى الصواب .
قوله : 112 - وكذلك جعلنا لكل نبي هذا الكلام لتسلية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ودفع ما حصل معه من الحزن بعدم إيمانهم : أي مثل هذا الجعل جعلنا لكل نبي عدوا والمعنى : كما ابتليناك بهؤلاء فقد ابتلينا الأنبياء من قبلك بقوم من الكفار ، فجعلنا لكل واحد منهم عدوا من كفار زمنهم ، و شياطين الإنس والجن بدل من " عدوا " ، وقيل : هو المفعول الثاني لجعلنا .
وقرأ ( الجن والإنس ) بتقديم الجن ، والمراد بالشياطين المردة من الفريقين ، والإضافة بيانية أو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والأصل الإنس والجن الشياطين ، وجملة الأعمش يوحي بعضهم إلى بعض في محل نصب على الحال : أي حال كونه يوسوس بعضهم لبعض ، وقيل : إن الجملة مستأنفة لبيان حال العدو ، وسمي وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم ، وجعل تمويههم زخرف القول لتزيينهم إياه ، والزخرف : المزين ، وزخارف الماء طرائقه ، و غرورا منتصب على المصدر ، لأن معنى يوحي بعضهم إلى بعض يغرونهم بذلك غرورا ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، ويجوز أن يكون مفعولا له ، والغرور : الباطل .
قوله : ولو شاء ربك ما فعلوه الضمير يرجع إلى ما ذكر سابقا من الأمور التي جرت من الكفار في زمنه وزمن الأنبياء قبله : أي لو شاء ربك عدم وقوع ما تقدم ذكره ما فعلوه وأوقعوه ، وقيل : ما فعلوا الإيحاء المدلول عليه بالفعل فذرهم أي اتركهم ، وهذا الأمر للتهديد للكفار كقوله : ذرني ومن خلقت وحيدا [ المدثر : 11 ] وما يفترون إن كانت ما مصدرية فالتقدير : اتركهم وافتراءهم ، وإن كانت موصولة فالتقدير : اتركهم والذي يفترونه .
قوله : ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة اللام في لتصغى لام كي ، فتكون علة كقوله يوحي والتقدير : يوحي بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى ، وقيل : هو متعلق بمحذوف يقدر متأخرا : أي لتصغى جعلنا لكل نبي عدوا وقيل : إن اللام للأمر وهو غلط ، فإنها لو كانت لام الأمر جزم الفعل ، والإصغاء : الميل ، يقال : صغوت أصغو صغوا ، وصغيت أصغي : ويقال : صغيت بالكسر ، ويقال : أصغيت الإناء : إذا أملته ليجتمع ما فيه ، وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض ، ويقال : صغت النجوم : إذا مالت للغروب ، وأصغت الناقة : إذا أمالت رأسها ، ومنه قول : ذي الرمة
تصغي إذا شدها بالكور جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها وثبت
وقد أخرج أبو الشيخ ، عن قال : نزلت ابن عباس ، وأقسموا بالله جهد أيمانهم في قريش وما يشعركم [ ص: 443 ] يا أيها المسلمون أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
وأخرج عن ابن جرير ، قال : محمد بن كعب القرظي كلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قريشا فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن ثمود لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أي شيء تحبون أن آتيكم به ؟ ، قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا ، قال : فإن فعلت تصدقوني ؟ ، قالوا : نعم ، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعو ، فجاءه جبريل فقال له : إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم ، فقال : بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله : وأقسموا بالله جهد أيمانهم إلى قوله : يجهلون .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم قال : لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عنه وحشرنا عليهم كل شيء قبلا قال : معاينة ما كانوا ليؤمنوا أي : أهل الشقاء إلا أن يشاء الله أي أهل السعادة والذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان .
وأخرج ، عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة ، وحشرنا عليهم كل شيء قبلا أي فعاينوا ذلك معاينة .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد قال : أفواجا قبيلا .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن قال : إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم ، فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجن ، فيقول هذا لهذا : أضلله بكذا وأضلله بكذا ، فهو يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .
وقال : الجن هم الجان وليسوا شياطين ، والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس والجن يموتون ، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر . ابن عباس
وأخرج أبو الشيخ ، عن قال : الكهنة هم شياطين الإنس . ابن مسعود
وأخرج ابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، يوحي بعضهم إلى بعض قال : شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، فإن الله يقول : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في الآية قال : من الإنس شياطين ومن الجن شياطين يوحي بعضهم إلى بعض .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، ابن عباس ، زخرف القول قال : يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم .
وقد أخرج أحمد ، ، وابن أبي حاتم عن والطبراني أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس ، قال : يا نبي الله وهل للإنس شياطين ؟ قال : نعم ، شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . يا
وأخرج أحمد ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أبي ذر مرفوعا نحوه .
وأخرج ابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، ابن عباس ، ولتصغى لتميل .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عنه ولتصغى تزيغ وليقترفوا يكتسبوا .