134 - إن ما توعدون من البعث والمجازاة لآت لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد وما أنتم بمعجزين أي بفائتين عن ما هو نازل بكم ، وواقع عليكم : يقال أعجزني فلان : أي فاتني وغلبني .
قوله : قل ياقوم اعملوا على مكانتكم المكانة : الطريقة ، أي اثبتوا على ما أنتم عليه ، فإني غير مبال بكم ولا مكترث بكفركم ، إني ثابت على ما أنا عليه فسوف تعلمون من هو على الحق ومن هو على الباطل ، وهذا وعيد شديد ، فلا يرد ما يقال كيف يأمرهم بالثبات على الكفر ؟ و عاقبة الدار هي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها : أي من له النصر في دار الدنيا ، ومن له وراثة الأرض ، ومن له الدار الآخرة .
وقال : معنى مكانتكم : تمكنكم في الدنيا ، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم ، وقيل : على ناحيتكم ، وقيل : على موضعكم . الزجاج
قرأ حمزة " من يكون " بالتحتية ، وقرأ الباقون بالفوقية . والكسائي
والضمير في إنه لا يفلح الظالمون للشأن : أي لا يفلح من اتصف بصفة الظلم ، وهو تعريض لهم بعدم فلاحهم لكونهم المتصفين بالظلم .
قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا هذا بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وتأثيرهم لآلهتهم على الله سبحانه : أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم نصيبا ولآلهتهم نصيبا من ذلك يصرفونه في سدنتها والقائمين بخدمتها ، فإذا ذهب ما لآلهتهم بإنفاقه في ذلك عوضوا عنه ما جعلوه لله ، وقالوا : الله غني عن ذلك ، والزعم : الكذب .
قرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش : " بزعمهم " بضم الزاي ، وقرأ الباقون بفتحها ، وهما لغتان والكسائي فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله أي إلى المصارف التي شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم ، وقرى الضيف وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحها ساء ما يحكمون أي ساء الحكم حكمهم في إيثار آلهتهم على الله سبحانه ، وقيل : معنى الآية : أنهم كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم ، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله ، فهذا معنى الوصول إلى الله ، والوصول إلى شركائهم ، وقد قدمنا الكلام في ذرأ .
قوله : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم أي ومثل ذلك التزيين الذي زينه الشيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم زين لهم قتل أولادهم .
قال الفراء : شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان ، وقيل : هم الغواة من الناس وقيل : هم الشياطين وأشار بهذا إلى الوأد ، وهو دفن البنات مخافة [ ص: 450 ] السبي والحاجة ; وقيل : كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرن أحدهم كما فعله والزجاج عبد المطلب .
قرأ الجمهور زين بالبناء للفاعل ونصب قتل على أنه مفعول " زين " وجر " أولاد " بإضافة " قتل " إليه ، ورفع " شركاؤهم " على أنه فاعل زين ، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل ، وخفض أولاد ، ورفع " شركاؤهم " على أن قتل هو نائب الفاعل ، ورفع " شركاؤهم " بتقدير يجعل يرجعه : أي زينه شركاؤهم ، ومثله قول الشاعر :
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط ما تطيح الطوائح
أي يبكيه ضارع .وقرأ ابن عامر وأهل الشام بضم الزاي ، ورفع " قتل " ، ونصب " أولاد " ، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ، ومعموله أولادهم ، ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه قول الشاعر :
تمر على ما تستمر وقد شفت علائل عبد القيس منها صدورها
قال النحاس : إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر ، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف ، وهو أي الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد ، فإجازته في القرآن أبعد .
وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي : إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز في العربية وهي زلة عالم ، وإذا زل العالم لم يجز اتباعه ورد قوله إلى الإجماع ، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف كقول الشاعر :
كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل
لله در اليوم من لامها
وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة : إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهي فصيحة لا قبيحة .قالوا : وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان رضي الله عنه " شركائهم " بالياء .
وأقول : دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين كما بينا ذلك في رسالة مستقلة ، فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته رد عليه ، ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم كما قدمنا ، وكقول الشاعر :
فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزاده
قوله : ليردوهم اللام لام كي : أي لكي يردوهم ، من الإرداء وهو الإهلاك وليلبسوا عليهم دينهم معطوف على ما قبله : أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم ولو شاء الله ما فعلوه أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وإذا كان ذلك بمشيئة الله فذرهم وما يفترون فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك .
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قال : الذرية الأصل ، والذرية النسل . أبان بن عثمان
وأخرجا أيضا عن ابن عباس ، وما أنتم بمعجزين قال : بسابقين .
وأخرج ابن المنذر ، عنه في قوله : وابن أبي حاتم ، على مكانتكم قال : على ناحيتكم .
وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عنه أيضا في قوله : وجعلوا لله الآية .
قال : جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا ، فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن سقط مما جعلوه للشياطين في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان ، وإن انفجر من سقي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن انفجر من سقي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله نزحوه ، فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقي الماء ، وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله : ما جعل الله من بحيرة المائدة 103 الآية .
وأخرج عنه نحوه من طريق أخرى . ابن أبي حاتم ،
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : جعلوا لله مما ذرأ من الحرث جزءا ولشركائهم جزءا ، فما ذهب به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني ، وما ذهب به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه .
والأنعام التي سموا لله : البحيرة والسائبة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم قال : شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خوف العيلة .