اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم واعتل من كان يرجى عنده السول
يريد اخترتك من الناس ، ومعنى لميقاتنا للوقت الذي وقتناه له بعد أن وقع من قومه ما وقع ، والميقات الكلام الذي تقدم ذكره لأن الله أمره أن يأتي إلى الطور في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه سبحانه من عبادة العجل كذا قيل; والرجفة في اللغة : الزلزلة الشديدة ، قيل : إنهم زلزلوا حتى ماتوا ، فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم : قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي قاله عليه السلام تحسرا وتلهفا ، لأن سبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهم : وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ( البقرة : 55 ) على ما تقدم في البقرة ، وقيل : هؤلاء السبعون غير من قالوا أرنا الله جهرة ( النساء : 153 ) بل أخذتهم الرجفة ، بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل; وقيل : إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته ، فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم والمعنى لو شئت إهلاكنا لأهلكتنا بذنوبنا قبل هذا الوقت اعترافا منه عليه السلام بالذنب ، وتلهفا على ما فرط من قومه والاستفهام في قوله : أتهلكنا بما فعل السفهاء منا للجحد : أي لست ممن يفعل ذلك ، قاله ثقة منه برحمة الله ، والمقصود منه الاستعطاف والتضرع ، وقيل : معناه الدعاء والطلب : أي لا تهلكنا .قال : المراد بالاستفهام استفهام الإعظام كأنه يقول : وقد علم المبرد موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره ، ولكنه كقول عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وقيل : المراد بالسفهاء : السبعون ، والمعنى : أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم : أرنا الله جهرة ( النساء : 153 ) ، وقيل : المراد بهم : السامري وأصحابه .
قوله : إن هي إلا فتنتك أي : ما الفتنة التي وقع فيها هؤلاء السفهاء إلا فتنتك التي تختبر بها من شئت وتمتحن بها من أردت ، ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانه : فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( طه : 85 ) تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أي تضل بهذه الفتنة من تشاء من عبادك وتهدي بها من تشاء منهم ، ومثله : ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( هود : 7 ) ، ثم رجع إلى الاستعطاف والدعاء فقال : أنت ولينا أي المتولي لأمورنا فاغفر لنا ما أذنبناه وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وأنت خير الغافرين للذنوب .
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة بتوفيقنا للأعمال الصالحة ، أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق وفي الآخرة أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا [ ص: 504 ] من النعيم في الآخرة ، وجملة إنا هدنا إليك تعليل لما قبلها من أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التي وقعت من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفي الآخرة ، بني إسرائيل .
والهود : التوبة .
وقد تقدم في البقرة ، وجملة قال عذابي أصيب به من أشاء مستأنفة كنظائرها فيما تقدم ، قيل : المراد بالعذاب هنا : الرجفة : وقيل : أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم : أي ليس هذا إليك يا موسى ، بل ما شئت كان ، وما لم أشأ لم يكن .
والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولا أوليا ، وقيل : المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق ورحمتي وسعت كل شيء من الأشياء من المكلفين وغيرهم ، ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة للذين يتقون الذنوب ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم والذين هم بآياتنا يؤمنون أي يصدقون بها ويذعنون لها .
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وهو محمد عليه الصلاة والسلام ، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل .
والأمي : إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب : وهم العرب ، أو نسبة إلى الأم .
والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وقيل : نسبة إلى أم القرى ، وهي مكة الذي يجدونه يعني اليهود والنصارى : أي يجدون نعته مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وهما مرجعهم في الدين ، وهذا موسى قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون ، ثم وصف هذا النبي الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف : أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق الكلام منه سبحانه مع وينهاهم عن المنكر أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه ، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق ، قيل : إن قوله : يأمرهم بالمعروف إلى قوله : أولئك هم المفلحون كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها . ذكر معناه وقيل : هو في محل نصب على الحال من النبي ، وقيل : هو مفسر لقوله : مكتوبا . الزجاج ،
قوله : يحل لهم الطيبات أي المستلذات وقيل : يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التي حرمت عليهم بسبب ذنوبهم ويحرم عليهم الخبائث أي المستخبثات كالحشرات والخنازير ويضع عنهم إصرهم الإصر الثقل : أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة .
وقد تقدم بيانه في البقرة والأغلال التي كانت عليهم أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم ، الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها فالذين آمنوا به أي بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - واتبعوه فيما جاء به من الشرائع وعزروه أي عظموه ووقروه ، قاله الأخفش ، وقيل : معناه منعوه من عدوه ، وأصل العزر : المنع ، وقرأ الجحدري " وعزروه بالتخفيف ونصروه أي قاموا بنصره على من يعاديه واتبعوا النور الذي أنزل معه أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوته ، وقيل : المعنى : واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه ، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه ، والإشارة بـ أولئك إلى المتصفين بهذه الأوصاف هم المفلحون الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم .
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، واختار موسى قومه الآية قال : كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا ، فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم ، فكان فيما دعوا الله أن قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا من قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا ، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة قال موسى رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك يقول : إن هي إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد لميقاتنا قال : لتمام الموعد وفي قوله : فلما أخذتهم الرجفة قال : ماتوا ثم أحياهم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ ، عن أبي العالية في قوله : إن هي إلا فتنتك قال : بليتك .
وأخرج أبو الشيخ ، عن إن هي إلا فتنتك قال : مشيئتك . ابن عباس ،
وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قال : إن السبعين الذين اختارهم ابن عباس ، موسى من قومه ، إنما أخذتهم الرجفة ، لأنهم لم يرضوا بالعمل ولم ينهوا عنه .
وأخرج عنه في قوله : واكتب لنا في هذه حسنة وفي الآخرة فلم يعطها سعيد بن منصور ، موسى قال عذابي أصيب به من أشاء إلى قوله : المفلحون .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، عكرمة في قوله : واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة قال : فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، من طرق عن وابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، إنا هدنا إليك قال : تبنا إليك .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، مثله . سعيد بن جبير ،
وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي وجزة السعدي ، وكان من أعلم الناس بالعربية قال : لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا; قيل : فكيف قال هدنا بكسر الهاء ، يقول : ملنا .
وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد في الزهد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن وقتادة ، في قوله : ورحمتي وسعت كل شيء قال : وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة .
وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : . إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة
وأخرج نحوه أحمد ، وأبو داود ، والطبراني ، والحاكم ، من حديث والضياء المقدسي . جندب بن عبد الله البجلي
وأخرج أبو الشيخ ، عن قال : لما [ ص: 505 ] نزلت السدي ، ورحمتي وسعت كل شيء قال إبليس : وأنا من الشيء ، فنسخها الله ، فنزلت فسأكتبها للذين يتقون إلى آخر الآية .
وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن قال : لما نزلت ابن جريج ورحمتي وسعت كل شيء قال إبليس : أنا من الشيء ، قال الله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة قالت اليهود : فنحن نتقي ونؤتي الزكاة ، قال الله : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود ، وجعلها لأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، نحوه .
وأخرج البزار ، في مسنده وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن قال : سأل ابن عباس ، موسى ربه مسألة فأعطاها محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - .
قوله : واختار موسى قومه إلى قوله : فسأكتبها للذين يتقون فأعطى محمدا كل شيء سأل موسى ربه في هذه الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عنه في قوله : فسأكتبها للذين يتقون قال : كتبها الله لهذه الأمة .
وأخرج عنه في الآية قال : يتقون الشرك . ابن جرير ،
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن النخعي في قوله : النبي الأمي قال : كان لا يقرأ ولا يكتب .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في الآية قال : هو نبيكم - صلى الله عليه وآله وسلم - كان أميا لا يكتب .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله : الذي يجدونه مكتوبا عندهم قال : يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم .
وأخرج ابن سعد ، والبخاري ، وابن جرير ، والبيهقي في الدلائل قال : لقيت عطاء بن يسار فقلت له : أخبرني عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، - ، قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة ، ولكن تعفو وتصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا صفة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم . عن
وأخرج ابن سعيد والدارمي ، في مسنده والبيهقي في الدلائل عن وابن عساكر ، مثله . عبد الله بن سلام
وقد روي نحو هذا مع اختلاف في بعض الألفاظ ، وزيادة في بعض ، ونقص في بعض عن جماعة .
وأخرج ابن المنذر ، عن في قوله : ابن جريج ويحل لهم الطيبات قال : الحلال ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم قال : التثقيل الذي كان في دينهم .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن في قوله : ابن عباس ، ويحرم عليهم الخبائث قال : كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله ، وفي قوله : ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم قال : هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : سعيد بن جبير ، ويضع عنهم إصرهم قال : ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه .
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، وعزروه يعني : عظموه ووقروه .