فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون قوله : فمن أظلم استفهام فيه معنى الجحد أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب ، وزيادة كذبا مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا; لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه ، فربما يكون الافتراء كذبا في الإسناد فقط ، كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو ، ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره ، قيل : وهذا من جملة رده - صلى الله عليه وآله وسلم - على المشركين لما طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن ، أو يبدله ، فبين لهم أنه لو فعل ذلك لكان من الافتراء على الله ، ولا ظلم يماثل ذلك ، وقيل : هم المشركون ، والمكذب بآيات الله هم أهل الكتاب المفتري على الله الكذب إنه لا يفلح المجرمون تعليل لكون لا أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته : أي لا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير ، والضمير في إنه للشأن : أي إن الشأن هذا .
ثم نعى الله سبحانه عليهم ، وبين أنها لا تنفع من عبدها ، ولا تضر من لم يعبدها ، فقال : عبادة الأصنام ويعبدون من دون الله أي متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره ، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية ما لا يضرهم ولا ينفعهم أي ما ليس من شأنه الضرر ولا النفع ، ومن حق المعبود أن يكون مثيبا لمن أطاعه معاقبا لمن عصاه ، والواو لعطف هذه الجملة على جملة وإذا تتلى عليهم آياتنا و ما في ما لا يضرهم موصولة أو موصوفة ، والواو في ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله للعطف على ويعبدون زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله فلا يعذبهم بذنوبهم ، وهذا غاية الجهالة منهم حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضر في الحال ، وقيل : أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم ، ثم أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يجيب عنهم فقال : قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض .
قرأ أبو السمال العدوي " تنبئون " بالتخفيف من أنبأ ينبئ .
وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبئ .
والمعنى : أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد ، أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه ، والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكا ، ولا شفيعا بغير إذنه ، من جميع مخلوقاته الذين هم في سماواته وفي أرضه ؟ وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلا ، وفي هذا من التهكم بالكفار ما لا يخفى ، ثم نزه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم ، وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير داخل في الكلام الذي أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب به عليهم ، ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقوله لهم جوابا عليهم .
قرأ حمزة والكسائي عما يشركون بالتحتية .
وقرأ الباقون بالفوقية ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد .
قوله : وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا قد تقدم تفسيره في البقرة .
والمعنى : أن الناس ما كانوا جميعا إلا أمة واحدة موحدة لله سبحانه مؤمنة به ، فصار البعض كافرا وبقي البعض الآخر مؤمنا ، فخالف بعضهم بعضا .
وقال : هم العرب كانوا على الشرك . الزجاج
وقال : كل مولود يولد على الفطرة ، فاختلفوا عند البلوغ ، والأول أظهر .
وليس المراد أن كل طائفة أحدثت ملة من ملل الكفر مخالفة للأخرى ، بل المراد كفر البعض وبقي البعض على التوحيد كما قدمنا ولولا كلمة سبقت من ربك وهي أنه سبحانه لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه إلا يوم القيامة لقضي بينهم في الدنيا فيما هم فيه يختلفون لكنه قد امتنع ذلك بالكلمة التي لا تتخلف ، وقيل : معنى لقضي بينهم بإقامة الساعة عليهم ، وقيل : لفرغ من هلاكهم ، وقيل : الكلمة إن الله أمهل هذه الأمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا; وقيل : الكلمة أنه لا يأخذ أحدا إلا بحجة ، وهي إرسال الرسل كما قال تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] ، وقيل : الكلمة قوله : سبقت رحمتي غضبي .
وقرأ عيسى بن عمر " لقضى " بالبناء للفاعل .
وقرأ من عداه بالبناء للمفعول .
[ ص: 617 ] وقد أخرج عن ابن أبي حاتم ، عكرمة قال : قال النضر : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى ، فأنزل الله : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم الآية .
وأخرج أبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا قال : كانوا على هدى . ابن مسعود
وروي أنه قرأ هكذا .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : وما كان الناس إلا أمة واحدة قال : آدم وحده فاختلفوا قال : حين قتل أحد ابني آدم أخاه .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، في الآية قال : كان الناس أهل دين واحد على دين آدم فكفروا ، فلولا أن ربك أجلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم . السدي ،