قوله : وإذ قلتم هذه الجملة معطوفة على التي قبلها ، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى ، وقيل : هم السبعون الذين اختارهم .
وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا بعد ذلك هذه المقالة فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم .
ثم دعا موسى ربه فأحياهم كما قال تعالى هنا : ثم بعثناكم من بعد موتكم وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله .
والجهرة : المعاينة ، وأصلها الظهور ، ومنه الجهر بالقراءة والمجاهرة بالمعاصي ، ورأيت الأمر جهرة وجهارا : أي غير مستتر بشيء ، وهي مصدر واقع موقع الحال .
وقرأ " جهرة " بفتح الهاء وهي لغتان مثل زهرة وزهرة ، ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر . ابن عباس
والصاعقة قد تقدم تفسيرها ، وقرأ عمر وعثمان وعلي " الصعقة " وهي قراءة ابن محيصن ، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم .
وأنتم تنظرون في محل نصب على الحال ، والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم لا آخرها الذي ماتوا عنده ، وقيل : المراد بالصاعقة الموت ، واستدل عليه بقوله : ثم بعثناكم من بعد موتكم ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير ، لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية ، وقد يغشى عليه ثم يفيق كما في قوله تعالى : وخر موسى صعقا فلما أفاق [ الأعراف : 143 ] ومما يوجب ذلك قوله : وأنتم تنظرون فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى ، بل قد يقال إنه لا يصح أن تنظروا الموت النازل بهم إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت .
والمراد بقوله : ثم بعثناكم الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت ، وأصل البعث الإثارة للشيء من محله ، يقال : بعثت الناقة : أي أثرتها ، ومنه قول امرئ القيس :
وإخوان صدق قد بعثت بسحرة فقاموا جميعا بين غاث ونشوان
وقول عنترة :وصحابة شم الأنوف بعثتهم ليلا وقد مال الكرى بطلاها
وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة ، وذهب من عداهم إلى [ ص: 60 ] جوازها في الدنيا والآخرة ووقوعها في الآخرة .
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة ، وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها ، دعوى مبنية على شفا جرف هار ، وقواعد لا يغتر بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب ، وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية ، وكلها خارج عن محل النزاع ، بعيد من موضع الحجة ، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة .
قوله : وظللنا عليكم الغمام أي : فعلناه كالظلة .
والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب ، قاله الأخفش .
قال الفراء : ويجوز غمائم .
وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين .
والمن : قيل هو الترنجبين .
قال النحاس : هو بتشديد الراء وإسكان النون ، ويقال : الطرنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين ، وهو طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ ، ذكر معناه في القاموس ، وقيل : إن المن العسل ، وقيل : شراب حلو ، وقيل : خبز الرقاق ، وقيل : إنه مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : موسى . أن الكمأة من المن الذي أنزل على
وقد ثبت مثله من حديث عند أبي هريرة أحمد ، ومن حديث والترمذي جابر وأبي سعيد عند وابن عباس . والسلوى : قيل : هو السمانى ، كحبارى طائر يذبحونه فيأكلونه . النسائي
قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي فقال :
وقاسمهما بالله جهدا لأنتما ألذ من السلوى إذا ما أشورها
قال القرطبي : ما ادعاه من الإجماع لا يصح .
وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير : إنه العسل .
واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة ، وأنشد :
لو شربت السلوى ما سلوت ما بي غنا عنك وإن غنيت
قال الأخفش : السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى .
وقال الخليل : واحده سلواة ، وأنشد :
وإني لتعروني لذكراك سلوة كما انتفض السلواة من سلكه القطر
وقوله : كلوا أي قلنا لهم كلوا ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : قلنا كلوا فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر فظلموا أنفسهم وما ظلمونا ، فحذف هذا لدلالة ولكن كانوا أنفسهم يظلمون عليه ، وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس حتى نرى الله جهرة قال : علانية .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم أنس قال : هم السبعون الذين اختارهم موسى فأخذتكم الصاعقة قال : ماتوا ثم بعثناكم من بعد موتكم قال : فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير قتادة في قوله : ثم بعثناكم نحوه .
وأخرج عن ابن جرير في قوله : ابن عباس وظللنا عليكم الغمام قال : غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر وكان معهم في التيه .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم قتادة في قوله : وظللنا عليكم الغمام قال : كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس ، وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية ، فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ، فبقي عنده ; لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء ، وهذا كله في البرية .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم عكرمة قال : المن شيء أنزل الله عليهم مثل الطل ، والسلوى طير أكبر من العصفور .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن وابن أبي حاتم مجاهد قال : المن صمغة ، والسلوى طائر .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : قالوا : يا السدي موسى كيف لنا بما هاهنا أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجرة الترنجبين .
وأخرجوا عن وهب أنه سئل : ما المن ؟ قال : خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه . الربيع بن أنس
وأخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال : كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا ، والسلوى طائر يشبه السمانى كانوا يأكلون منه ما شاءوا . ابن عباس
وأخرج عنه نحوه . ابن جرير
وأخرج عن ابن جرير وناس من الصحابة في السلوى مثله . ابن مسعود
وقد روي نحو ذلك عن جماعة من التابعين ومن بعدهم .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس وما ظلمونا قال : نحن أعز من أن نظلم .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس ولكن كانوا أنفسهم يظلمون قال : يضرون .