nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28981قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون لما بين فضائح المشركين أتبعها بإيراد
nindex.php?page=treesubj&link=28659الحجج الدامغة من أحوال الرزق ، والحواس ، والموت ، والحياة ، والابتداء ، والإعادة ، والإرشاد ، والهدى ، وبنى سبحانه الحجج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسئولين ، ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس ، فقال : قل يا
محمد للمشركين احتجاجا لحقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31من يرزقكم من السماء والأرض من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات والمعادن ، فإن اعترفوا حصل المطلوب ، وإن لم يعترفوا فلا بد أن يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهما
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31أمن يملك السمع والأبصار أم هي المنقطعة ، وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال ، وخص السمع والبصر بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والقدرة الباهرة العظيمة أي : من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة والخلقة الغريبة حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ، ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين ، ثم انتقل إلى حجة ثالثة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31ومن يخرج الحي من الميت الإنسان من النطفة ، والطير من البيضة ، والنبات من الحبة ، أو المؤمن من الكافر
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31ويخرج الميت من الحي أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن ، والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيي ويميت ، ثم انتقل إلى حجة رابعة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31ومن يدبر الأمر أي يقدره ويقضيه ، وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31فسيقولون الله أي : سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات أن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه ، إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم ، وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ، أي الله يفعل ذلك ، ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم : أفلا تتقون والاستفهام للإنكار ، والفاء للعطف على مقدر أي : تعلمون ذلك أفلا تتقون ، وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فذلكم الله ربكم الحق أي : فذلكم الذي يفعل هذه الأفعال هو ربكم المتصف بأنه الحق لا ما جعلتموهم شركاء له ، والاستفهام في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فماذا بعد الحق إلا الضلال للتقريع والتوبيخ ، إن كانت ما استفهامية ، لا إن كانت نافية كما يحتمله الكلام ، والمعنى : أي شيء بعد الحق إلا الضلال ، فإن ثبوت ربوبية الرب سبحانه حق بإقرارهم فكان غيره باطلا; لأن واجب الوجود يجب أن يكون واحدا في ذاته وصفاته
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فأنى تصرفون أي : كيف تستجيزون العدول عن الحق الظاهر وتقعون في الضلال إذ لا واسطة بينهما ؟ فمن تخطى أحدهما وقع في الآخر ، والاستفهام للإنكار والاستبعاد والتعجب .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون أي : كما حق وثبت أن الحق بعد الضلال أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة ربك أي : حكمه وقضاؤه ( على الذين فسقوا أي : خرجوا من الحق إلى الباطل وتمردوا في كفرهم عنادا ومكابرة ، وجملة أنهم لا يؤمنون بدل من الكلمة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أي : حقت عليهم هذه الكلمة ، وهي عدم إيمانهم ، ويجوز أن تكون الجملة تعليلية لما قبلها بتقدير اللام : أي لأنهم لا يؤمنون .
وقال
الفراء : إنه يجوز : إنهم لا يؤمنون بالكسر على الاستئناف ، وقد قرأ
نافع وابن عامر " كلمات ربي " بالجمع ، وقرأ الباقون بالإفراد .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده أورد سبحانه في هذا حجة خامسة على المشركين أمر نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقولها لهم ، وهم وإن كانوا لا يعترفون بالمعاد ، لكنه لما كان أمرا ظاهرا بينا ، وقد أقام الأدلة عليه في هذه السورة على صورة لا يمكن دفعها عند من أنصف ولم يكابر ، كان كالمسلم عندهم الذي لا جحد له ولا إنكار فيه ، ثم أمره سبحانه أن يقول لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون أي هو الذي يفعل ذلك لا غيره ، وهذا القول الذي قاله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أمر الله سبحانه له هو نيابة عن المشركين في الجواب ، إما على طريق التلقين لهم وتعريفهم كيف يجيبون ، وإرشادهم إلى ما يقولون ، وإما لكون هذا المعنى قد بلغ في الوضوح إلى غاية لا يحتاج معها إلى إقرار الخصم ومعرفة ما لديه ، وإما لكون المشركين لا ينطقون بما هو الصواب في هذا الجواب ، فرارا منهم عن أن تلزمهم الحجة أو أن يسجل عليهم بالعناد والمكابرة إن حادوا عن الحق .
ومعنى فأنى تؤفكون فكيف تؤفكون : أي تصرفون عن الحق وتنقلبون منه إلى غيره .
ثم أمره الله سبحانه أن يورد عليهم حجة سادسة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق [ ص: 624 ] والاستفهام هاهنا كالاستفهامات السابقة ، والاستدلال بالهداية بعد الاستدلال بالخلق وقع كثيرا في القرآن كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين [ الشعراء : 78 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [ طه : 50 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى [ الأعلى : 2 ، 3 ] وفعل الهداية يجيء متعديا باللام وإلى ، وهما بمعنى واحد ، روي ذلك عن الزجاج .
والمعنى : قل لهم يا
محمد هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام ويدعو الناس إلى الحق ؟ فإذا قالوا لا ، فقل لهم : الله يهدي للحق دون غيره ، ودليل ذلك ما تقدم من الأدلة الدالة على اختصاصه سبحانه بهذا ، وهداية الله سبحانه لعباده إلى الحق هي بما نصبه لهم من الآيات في المخلوقات ، وإرساله للرسل وإنزاله للكتب ، وخلقه لما يتوصل به العباد إلى ذلك من العقول والأفهام والأسماع والأبصار ، والاستفهام في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى للتقرير وإلزام الحجة .
وقد اختلف القراء في " لا يهدي " فقرأ أهل
المدينة إلا
نافعا ( يهدي ) بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال فجمعوا في قراءتهم هذه بين ساكنين .
قال
النحاس : والجمع بين ساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به .
قال
محمد بن يزيد : لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركة خفيفة إلى الكسر ، وسيبويه يسمي هذا اختلاسا .
وقرأ
أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان .
وقرأ
ابن عامر وابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش وابن محيصن بفتح الياء والهاء وتشديد الدال .
قال
النحاس : هذه القراءة بينة في العربية ، والأصل فيها يهتدي ، أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها إلى الهاء .
وقرأ
حفص ويعقوب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش مثل قراءة
ابن كثير إلا أنهم كسروا الهاء ، قالوا : لأن الكسر هو الأصل عند التقاء الساكنين .
وقرأ
أبو بكر عن
عاصم " يهدي " بكسر الياء والهاء وتشديد الدال وذلك للإتباع .
وقرأ
حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وخلف ،
nindex.php?page=showalam&ids=17340ويحيى بن وثاب " يهدي " بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال من هدى يهدي .
قال
النحاس : وهذه القراءة لها وجهان في العربية ، وإن كانت بعيدة : الأول : أن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء قالا : إن يهدي بمعنى يهتدي .
الثاني : أن
أبا العباس قال : إن التقدير أم من لا يهدي غيره ، ثم تم الكلام وقال بعد ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35إلا أن يهدى أي لكنه يحتاج أن يهدى ، فهو استثناء منقطع كما تقول : فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع أي : لكنه يحتاج أن يسمع .
والمعنى على القراءات المتقدمة : أفمن يهدي الناس إلى الحق ، وهو الله سبحانه أحق أن يتبع ويقتدى به ، أم الأحق بأن يتبع ويقتدى به من لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره فضلا عن أن يهدي غيره ؟ والاستثناء على هذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35فما لكم كيف تحكمون هذا تعجيب من حالهم باستفهامين متواليين أي : أي شيء لكم كيف تحكمون باتخاذ هؤلاء شركاء لله ، وكلا الاستفهامين للتقريع والتوبيخ ، وكيف في محل نصب بـ ( تحكمون ) .
ثم بين سبحانه ما هؤلاء عليه في أمر دينهم ، وعلى أي شيء بنوه ، وبأي شيء اتبعوا هذا الدين الباطل ، وهو الشرك فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا وهذا كلام مبتدأ غير داخل في الأوامر السابقة .
والمعنى : ما يتبع هؤلاء المشركون في إشراكهم بالله وجعلهم له أندادا إلا مجرد الظن والتخمين والحدس ، ولم يكن ذلك عن بصيرة ، بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله ، وأنها تشفع لهم ، ولم يكن ظنه هذا لمستند قط ، بل مجرد خيال مختل وحدس باطل ، ولعل تنكير الظن هنا للتحقير : أي إلا ظنا ضعيفا لا يستند إلى ما تستند إليه سائر الظنون .
وقيل : المراد بالآية : إنه ما يتبع أكثرهم في الإيمان بالله والإقرار به إلا ظنا ، والأول أولى .
ثم أخبرنا الله سبحانه بأن مجرد الظن لا يغني من الحق شيئا ، لأن أمر الدين إنما يبنى على العلم ، وبه يتضح الحق من الباطل ، والظن لا يقوم مقام العلم ، ولا يدرك به الحق ، ولا يغني عن الحق في شيء من الأشياء ، ويجوز انتصاب شيئا على المصدرية أو على أنه مفعول به ، و ( من الحق ) حال منه ، والجملة مستأنفة لبيان شأن الظن وبطلانه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36إن الله عليم بما يفعلون من الأفعال القبيحة الصادرة لا عن برهان .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله لما فرغ سبحانه من دلائل التوحيد وحججه ، شرع في تثبيت أمر النبوة أي : وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البينة والبراهين الواضحة يفترى من الخلق من دون الله ، وإنما هو من عند الله عز وجل ، وكيف يصح أن يكون مفترى ، وقد عجز عن الإتيان بسورة منه القوم الذين هم أفصح العرب لسانا وأدقهم أذهانا ولكن كان هذا القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37تصديق الذي بين يديه من الكتب المنزلة على الأنبياء ، ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة ، لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة ، مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك ، وانتصاب ( تصديق ) على أنه خبر لكان المقدرة بعد ( لكن ) ، ويجوز أن يكون انتصابه على العلية لفعل محذوف : أي لكن أنزله الله تصديق الذي بين يديه .
قال
الفراء : ومعنى الآية ، وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وما كان لنبي أن يغل [ آل عمران : 161 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة : 122 ] .
وقيل : إن أن بمعنى اللام : أي وما كان هذا القرآن ليفترى ، وقيل : بمعنى لا : أي لا يفترى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء : إن التقدير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37ولكن تصديق ولكن كان تصديق ، ويجوز عندهما الرفع أي ولكن هو تصديق ، وقيل : المعنى : ولكن القرآن تصديق
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37الذي بين يديه من الكتب : أي أنها قد بشرت به قبل نزوله فجاء مصدقا لها ، وقيل : المعنى : ولكن تصديق النبي الذي بين يدي القرآن ، وهو
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنهم شاهدوه قبل أن يسمعوا منه القرآن .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وتفصيل الكتاب عطف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37ولكن تصديق الذي بين يديه [ ص: 625 ] فيجيء فيه الرفع والنصب على الوجهين المذكورين في ( تصديق ) ، والتفضيل : التبيين ، أي يبين ما في كتب الله المتقدمة ، والكتاب للجنس ، وقيل : المراد ما بين في القرآن من الأحكام ، فيكون المراد بالكتاب : القرآن .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لا ريب فيه الضمير عائد إلى القرآن ، وهو داخل في حكم الاستدراك خبر ثالث ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من الكتاب ، ويجوز أن تكون الجملة استئنافية لا محل لها ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37من رب العالمين خبر رابع : أي كائن من رب العالمين ، ويجوز أن يكون حالا من الكتاب ، أو من ضمير القرآن في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لا ريب فيه أي كائنا من رب العالمين ، ويجوز أن يكون متعلقا بـ ( تصديق ) و ( تفصيل ) ، وجملة لا ريب فيه معترضة .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أم يقولون افتراه الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة ، وأم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة : أي بل أيقولون افتراه واختلقه .
وقال
أبو عبيدة : أم بمعنى الواو : أي ويقولون افتراه ، وقيل : الميم زائدة ، والتقدير : أيقولون افتراه ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ .
ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قل فأتوا بسورة مثله أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن
محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة ، وجودة الصناعة ، فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام وادعوا بمظاهريكم ومعاونيكم
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38من استطعتم دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ، ومن آلهتكم التي تجعلونهم شركاء لله .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38من دون الله متعلق بـ ( ادعوا ) : أي ادعوا من سوى الله من خلقه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38إن كنتم صادقين في دعواكم أن هذا القرآن مفترى .
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول ، فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية ، قال لهم : هذا الذي نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ، ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سوره ، واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم ، أو من غيرهم من بني آدم ، أو من الجن ، أو من الأصنام ، فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتي ، فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي ، فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ ، بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة ، بل كاعوا عن الجواب ، وتشبثوا بأذيال العناد البارد ، والمكابرة المجردة عن الحجة ، وذلك مما لا يعجز عنه مبطل .
ولهذا قال سبحانه عقب هذا التحدي البالغ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فأضرب عن الكلام الأول ، وانتقل إلى بيان أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن قبل أن يتدبروه ويفهموا معانيه وما اشتمل عليه ، وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعا إلى الحق وتمسك بذيول الإنصاف ، بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه ، ولا جاء على طبق دعواه ، قبل أن يعرف معناه ويعلم مبناه ، كما تراه عيانا وتعلمه وجدانا .
والحاصل أن من كذب بالحجة النيرة ، والبرهان الواضح ، قبل أن يحيط بعلمه ، فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب ، إلا مجرد كونه جاهلا لما كذب به غير عالم به ، فكان بهذا التكذيب مناديا على نفسه بالجهل بأعلى صوت ، ومسجلا بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل ، وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء :
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39ولما يأتهم تأويله معطوف على
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39لم يحيطوا بعلمه أي بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله ، أو هذه الجملة في محل نصب على الحال : أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم .
والمعنى : أن التكذيب منهم وقع قبل الإحاطة بعلمه ، وقبل أن يعرفوا ما يئول إليه من صدق ما اشتمل عليه ، من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين ، والأمم السابقين ، ومن حكايات ما سيحدث من الأمور المستقبلة ، التي أخبر عنها قبل كونها ، أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم ، فإنهم لو تدبروه كلية التدبر لفهموه كما ينبغي ، وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله ، وعلى هذا فمعنى تأويله : ما يئول إليه لمن تدبره من المعاني الرشيقة ، واللطائف الأنيقة ، وكلمة التوقع أظهر في المعنى الأول
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39كذلك كذب الذين من قبلهم أي مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه ، فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه ، وقبل أن يأتيهم تأويله
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39فانظر كيف كان عاقبة الظالمين من الأمم السالفة من سوء العاقبة بالخسف والمسخ ، ونحو ذلك من العقوبات التي حلت بهم كما حكى ذلك القرآن عنهم ، واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40ومنهم من يؤمن به أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن من يؤمن به في نفسه ، ويعلم أنه صدق وحق ، ولكنه كذب به مكابرة وعنادا ، وقيل : المراد : ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال ، والموصول مبتدأ ، وخبره " منهم "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40ومنهم من لا يؤمن به ولا يصدقه في نفسه ، بل كذب به جهلا كما مر تحقيقه ، أو لا يؤمن به في المستقبل ، بل يبقى على جحوده وإصراره ، وقيل : الضمير في الموضعين للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وقد قيل : إن هذا التقسيم خاص بأهل
مكة ، وقيل : عام في جميع الكفار
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وربك أعلم بالمفسدين فيجازيهم بأعمالهم ، والمراد بهم : المصرون المعاندون ، أو بكلا الطائفتين ، وهم الذين يؤمنون به في أنفسهم ، ويكذبون به في الظاهر ، والذين يكذبون به جهلا ، أو الذين يؤمنون به في المستقبل ، والذين لا يؤمنون به .
ثم أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يقول لهم إن أصروا على تكذيبه واستمروا عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41لي عملي ولكم عملكم أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم ، فقد أبلغت إليكم ما أمرت بإبلاغه ، وليس علي غير ذلك ، ثم أكد هذا بقوله :
[ ص: 626 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون أي لا تؤاخذون بعملي ، ولا أؤاخذ بعملكم .
وقد قيل : إن هذا منسوخ بآية السيف كما ذهب إليه جماعة من المفسرين .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كذلك حقت كلمة ربك يقول : سبقت كلمة ربك .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
الضحاك ، قال : صدقت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، عن
مجاهد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أمن لا يهدي إلا أن يهدى قال : الأوثان .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
ابن زيد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41وإن كذبوك فقل لي عملي الآية ، قال : أمره بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28981قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ لَمَّا بَيَّنَ فَضَائِحَ الْمُشْرِكِينَ أَتْبَعَهَا بِإِيرَادِ
nindex.php?page=treesubj&link=28659الْحُجَجِ الدَّامِغَةِ مِنْ أَحْوَالِ الرِّزْقِ ، وَالْحَوَاسِّ ، وَالْمَوْتِ ، وَالْحَيَاةِ ، وَالِابْتِدَاءِ ، وَالْإِعَادَةِ ، وَالْإِرْشَادِ ، وَالْهُدَى ، وَبَنَى سُبْحَانَهُ الْحُجَجَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَتَفْوِيضِ الْجَوَابِ إِلَى الْمُسْئُولِينَ ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي إِلْزَامِ الْحُجَّةِ وَأَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ ، فَقَالَ : قُلْ يَا
مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ احْتِجَاجًا لِحَقِّيَّةِ التَّوْحِيدِ وَبُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ بِالْمَطَرِ ، وَمِنَ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ ، فَإِنِ اعْتَرَفُوا حَصَلَ الْمَطْلُوبُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفُوا فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ أَمْ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ ، وَفِي هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ سُؤَالٍ إِلَى سُؤَالٍ ، وَخُصِّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الصَّنْعَةِ الْعَجِيبَةِ وَالْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ الْعَظِيمَةِ أَيْ : مَنْ يَسْتَطِيعُ مَلْكَهُمَا وَتَسْوِيَتَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَجِيبَةِ وَالْخِلْقَةِ الْغَرِيبَةِ حَتَّى يَنْتَفِعُوا بِهِمَا هَذَا الِانْتِفَاعَ الْعَظِيمَ ، وَيْحَصِّلُونَ بِهِمَا مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حَصْرِ الْحَاصِرِينَ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حُجَّةٍ ثَالِثَةٍ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الْإِنْسَانَ مِنَ النُّطْفَةِ ، وَالطَّيْرَ مِنَ الْبَيْضَةِ ، وَالنَّبَاتَ مِنَ الْحَبَّةِ ، أَوِ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أَيِ النُّطْفَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوِ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ عَمَّنْ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حُجَّةٍ رَابِعَةٍ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أَيْ يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّهُ قَدْ عَمَّ مَا تَقَدَّمَ وَغَيْرَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ أَيْ : سَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي جَوَابِ هَذِهِ الِاسْتِفْهَامَاتِ أَنَّ الْفَاعِلَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، إِنْ أَنْصَفُوا وَعَمِلُوا عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْفِكْرُ الصَّحِيحُ وَالْعَقْلُ السَّلِيمُ ، وَارْتِفَاعُ الِاسْمِ الشَّرِيفِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيِ اللَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ يُجِيبُوا بِهَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : أَفَلَا تَتَّقُونَ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ : تَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَفَلَا تَتَّقُونَ ، وَتَفْعَلُونَ مَا يُوجِبُهُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أَيْ : فَذَلِكُمُ الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ هُوَ رَبُّكُمُ الْمُتَّصِفُ بِأَنَّهُ الْحَقُّ لَا مَا جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ ، إِنْ كَانَتْ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً ، لَا إِنْ كَانَتْ نَافِيَةً كَمَا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ ، وَالْمَعْنَى : أَيُّ شَيْءٍ بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ، فَإِنَّ ثُبُوتَ رُبُوبِيَّةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ حَقٌّ بِإِقْرَارِهِمْ فَكَانَ غَيْرُهُ بَاطِلًا; لِأَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أَيْ : كَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِّ الظَّاهِرِ وَتَقَعُونَ فِي الضَّلَالِ إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ؟ فَمَنْ تَخَطَّى أَحَدَهُمَا وَقَعَ فِي الْآخَرِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ وَالتَّعَجُّبِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ : كَمَا حَقَّ وَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ بَعْدَ الضَّلَالِ أَوْ كَمَا حَقَّ أَنَّهُمْ مَصْرُوفُونَ عَنِ الْحَقِّ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَيْ : حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ ( عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَيْ : خَرَجُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ وَتَمَرَّدُوا فِي كُفْرِهِمْ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً ، وَجُمْلَةُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بَدَلٌ مِنَ الْكَلِمَةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : أَيْ : حَقَّتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ ، وَهِيَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلِيَّةً لِمَا قَبْلَهَا بِتَقْدِيرِ اللَّامِ : أَيْ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : إِنَّهُ يَجُوزُ : إِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَقَدْ قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ " كَلِمَاتِ رَبِّي " بِالْجَمْعِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أَوْرَدَ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا حُجَّةً خَامِسَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَهَا لَهُمْ ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْتَرِفُونَ بِالْمَعَادِ ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا بَيِّنًا ، وَقَدْ أَقَامَ الْأَدِلَّةَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى صُورَةٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا عِنْدَ مَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يُكَابِرْ ، كَانَ كَالْمُسَلَّمِ عِنْدَهُمُ الَّذِي لَا جَحْدَ لَهُ وَلَا إِنْكَارَ فِيهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَيْ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا غَيْرُهُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ هُوَ نِيَابَةٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَوَابِ ، إِمَّا عَلَى طَرِيقِ التَّلْقِينِ لَهُمْ وَتَعْرِيفِهِمْ كَيْفَ يُجِيبُونَ ، وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا يَقُولُونَ ، وَإِمَّا لِكَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ بَلَغَ فِي الْوُضُوحِ إِلَى غَايَةٍ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى إِقْرَارِ الْخَصْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا لَدَيْهِ ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَنْطِقُونَ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْجَوَابِ ، فِرَارًا مِنْهُمْ عَنْ أَنْ تَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةُ أَوْ أَنْ يُسَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ إِنْ حَادُوا عَنِ الْحَقِّ .
وَمَعْنَى فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَكَيْفَ تُؤْفَكُونَ : أَيْ تُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ وَتَنْقَلِبُونَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ .
ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُورِدَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً سَادِسَةً فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ [ ص: 624 ] وَالِاسْتِفْهَامُ هَاهُنَا كَالِاسْتِفْهَامَاتِ السَّابِقَةِ ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْهِدَايَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَلْقِ وَقَعَ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [ الشُّعَرَاءِ : 78 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [ طه : 50 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [ الْأَعْلَى : 2 ، 3 ] وَفِعْلُ الْهِدَايَةِ يَجِيءُ مُتَعَدِّيًا بِاللَّامِ وَإِلَى ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزَّجَّاجِ .
وَالْمَعْنَى : قُلْ لَهُمْ يَا
مُحَمَّدُ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يُرْشِدُ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ ؟ فَإِذَا قَالُوا لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ دُونَ غَيْرِهِ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ سُبْحَانَهُ بِهَذَا ، وَهِدَايَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ إِلَى الْحَقِّ هِيَ بِمَا نَصَبَهُ لَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ ، وَإِرْسَالِهِ لِلرُّسُلِ وَإِنْزَالِهِ لِلْكُتُبِ ، وَخَلْقِهِ لِمَا يَتَوَصَّلُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى لِلتَّقْرِيرِ وَإِلْزَامِ الْحُجَّةِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي " لَا يَهِدِّي " فَقَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ إِلَّا
نَافِعًا ( يَهْدِّي ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ فَجَمَعُوا فِي قِرَاءَتِهِمْ هَذِهِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ .
قَالَ
النَّحَّاسُ : وَالْجَمْعُ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ : لَا بُدَّ لِمَنْ رَامَ مِثْلَ هَذَا أَنْ يُحَرِّكَ حَرَكَةً خَفِيفَةً إِلَى الْكَسْرِ ، وَسِيبَوَيْهَ يُسَمِّي هَذَا اخْتِلَاسًا .
وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَقَالُونُ فِي رِوَايَةٍ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ .
وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=17274وَوَرْشٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ .
قَالَ
النَّحَّاسُ : هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَيِّنَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا يَهْتَدِي ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَقُلِبَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْهَاءِ .
وَقَرَأَ
حَفْصٌ وَيَعْقُوبُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ مِثْلَ قِرَاءَةِ
ابْنِ كَثِيرٍ إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوا الْهَاءَ ، قَالُوا : لِأَنَّ الْكَسْرَ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ .
وَقَرَأَ
أَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ " يِهِدِّي " بِكَسْرِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَذَلِكَ لِلْإِتْبَاعِ .
وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ،
وَخَلَفٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17340وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ " يَهْدِي " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ مِنْ هَدَى يَهْدِي .
قَالَ
النَّحَّاسُ : وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَهَا وَجْهَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً : الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيَّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءَ قَالَا : إِنَّ يَهْدِي بِمَعْنَى يَهْتَدِي .
الثَّانِي : أَنَّ
أَبَا الْعَبَّاسِ قَالَ : إِنَّ التَّقْدِيرَ أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي غَيْرَهُ ، ثُمَّ تَمَّ الْكَلَامُ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35إِلَّا أَنْ يُهْدَى أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُهْدَى ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ لَا يَسْمَعُ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَ أَيْ : لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْمَعَ .
وَالْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ : أَفَمَنْ يَهْدِي النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَيُقْتَدَى بِهِ ، أَمِ الْأَحَقُّ بِأَنْ يُتَّبَعَ وَيُقْتَدَى بِهِ مَنْ لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ غَيْرُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَهْدِيَ غَيْرَهُ ؟ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ هَذَا تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ بِاسْتِفْهَامَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ أَيْ : أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِاتِّخَاذِ هَؤُلَاءِ شُرَكَاءَ لِلَّهِ ، وَكِلَا الِاسْتِفْهَامَيْنِ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ ، وَكَيْفَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِـ ( تَحْكُمُونَ ) .
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَنَوْهُ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ اتَّبَعُوا هَذَا الدِّينَ الْبَاطِلَ ، وَهُوَ الشِّرْكُ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا وَهَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْأَوَامِرِ السَّابِقَةِ .
وَالْمَعْنَى : مَا يَتَّبِعُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ وَجَعْلِهِمْ لَهُ أَنْدَادًا إِلَّا مُجَرَّدَ الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ وَالْحَدْسِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ بَصِيرَةٍ ، بَلْ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتِ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَأَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ هَذَا لِمُسْتَنَدٍ قَطُّ ، بَلْ مُجَرَّدُ خَيَالٍ مُخْتَلٍّ وَحَدْسٍ بَاطِلٍ ، وَلَعَلَّ تَنْكِيرَ الظَّنِّ هُنَا لِلتَّحْقِيرِ : أَيْ إِلَّا ظَنًّا ضَعِيفًا لَا يَسْتَنِدُ إِلَى مَا تَسْتَنِدُ إِلَيْهِ سَائِرُ الظُّنُونِ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْآيَةِ : إِنَّهُ مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ إِلَّا ظَنًّا ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الظَّنِّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ، لِأَنَّ أَمْرَ الدِّينِ إِنَّمَا يُبْنَى عَلَى الْعِلْمِ ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَالظَّنُّ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ ، وَلَا يُدْرَكُ بِهِ الْحَقُّ ، وَلَا يُغْنِي عَنِ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَيَجُوزُ انْتِصَابُ شَيْئًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ، وَ ( مِنَ الْحَقِّ ) حَالٌ مِنْهُ ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ شَأْنِ الظَّنِّ وَبُطْلَانِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=36إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الصَّادِرَةِ لَا عَنْ بُرْهَانٍ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَحُجَجِهِ ، شَرَعَ فِي تَثْبِيتِ أَمْرِ النُّبُوَّةِ أَيْ : وَمَا صَحَّ وَمَا اسْتَقَامَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقُرْآنُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحُجَجِ الْبَيِّنَةِ وَالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ يُفْتَرَى مِنَ الْخَلْقِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرًى ، وَقَدْ عَجَزَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْهُ الْقَوْمُ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ الْعَرَبِ لِسَانًا وَأَدَقُّهُمْ أَذْهَانًا وَلَكِنْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَنَفْسُ هَذَا التَّصْدِيقِ مُعْجِزَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، لِأَنَّ أَقَاصِيصَهُ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَعَلَّمَهُ وَلَا سَأَلَ عَنْهُ وَلَا اتَّصَلَ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ ، وَانْتِصَابُ ( تَصْدِيقَ ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ ( لَكِنْ ) ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُهُ عَلَى الْعَلِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ : أَيْ لَكِنْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ .
قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَمَعْنَى الْآيَةِ ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [ آلِ عِمْرَانَ : 161 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ التَّوْبَةِ : 122 ] .
وَقِيلَ : إِنَّ أَنْ بِمَعْنَى اللَّامَ : أَيْ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ لِيُفْتَرَى ، وَقِيلَ : بِمَعْنَى لَا : أَيْ لَا يُفْتَرَى .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءُ : إِنَّ التَّقْدِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَلَكِنْ تَصْدِيقَ وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا الرَّفْعُ أَيْ وَلَكِنْ هُوَ تَصْدِيقٌ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلَكِنِ الْقُرْآنُ تَصْدِيقُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ : أَيْ أَنَّهَا قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَجَاءَ مُصَدِّقًا لَهَا ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلَكِنْ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوهُ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ الْقُرْآنَ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [ ص: 625 ] فَيَجِيءُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي ( تَصْدِيقَ ) ، وَالتَّفْضِيلُ : التَّبْيِينُ ، أَيْ يُبَيِّنُ مَا فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَالْكِتَابُ لِلْجِنْسِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ مَا بُيِّنَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْكَامِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ : الْقُرْآنَ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لَا رَيْبَ فِيهِ الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الِاسْتِدْرَاكِ خَبَرٌ ثَالِثٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةً لَا مَحَلَّ لَهَا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَبَرٌ رَابِعٌ : أَيْ كَائِنٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكِتَابِ ، أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لَا رَيْبَ فِيهِ أَيْ كَائِنًا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ ( تَصْدِيقَ ) وَ ( تَفْصِيلَ ) ، وَجُمْلَةُ لَا رَيْبَ فِيهِ مُعْتَرِضَةٌ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مَعَ تَقْرِيرَ ثُبُوتَ الْحُجَّةِ ، وَأَمْ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ : أَيْ بَلْ أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ وَاخْتَلَقَهُ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ : أَيْ وَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ ، وَقِيلَ : الْمِيمُ زَائِدَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ .
ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ عَجْزُهُمْ وَيَتَبَيَّنَ ضَعْفُهُمْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أَيْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ مِنْ أَنَّ
مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ فَأْتُوا أَنْتُمْ عَلَى جِهَةِ الِافْتِرَاءِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فِي الْبَلَاغَةِ ، وَجَوْدَةِ الصِّنَاعَةِ ، فَأَنْتُمْ مِثْلُهُ فِي مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَفَصَاحَةِ الْأَلْسُنِ وَبَلَاغَةِ الْكَلَامِ وَادْعُوا بِمُظَاهِرِيكُمْ وَمُعَاوِنِيكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38مَنِ اسْتَطَعْتُمْ دُعَاءَهُ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَمِنْ آلِهَتِكُمُ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38مِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( ادْعُوا ) : أَيِ ادْعُوَا مَنْ سِوَى اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مُفْتَرًى .
وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَقْوَى هَذِهِ الْحُجَّةَ وَأَوْضَحَهَا وَأَظْهَرَهَا لِلْعُقُولِ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَسَبُوا الِافْتِرَاءَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، قَالَ لَهُمْ : هَذَا الَّذِي نَسَبْتُمُوهُ إِلَيَّ وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْكُمْ ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتُوا وَأَنْتُمُ الْجَمْعُ الْجَمُّ بِسُورَةٍ مُمَاثِلَةٍ لِسُورَةٍ مَنْ سُوَرِهِ ، وَاسْتَعِينُوا بِمَنْ شِئْتُمْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَبَايُنِ مَسَاكِنِهِمْ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي آدَمَ ، أَوْ مِنَ الْجِنِّ ، أَوْ مِنَ الْأَصْنَامِ ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي ، فَأَنْتُمْ صَادِقُونَ فِيمَا نَسَبْتُمُوهُ إِلَيَّ وَأَلْصَقْتُمُوهُ بِي ، فَلَمْ يَأْتُوا عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُنْصِفِ وَالتَّنَزُّلِ الْبَالِغِ ، بِكَلِمَةٍ وَلَا نَطَقُوا بِبِنْتِ شَفَةٍ ، بَلْ كَاعُوا عَنِ الْجَوَابِ ، وَتَشَبَّثُوا بِأَذْيَالِ الْعِنَادِ الْبَارِدِ ، وَالْمُكَابَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْحُجَّةِ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ مُبْطِلٌ .
وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَقِبَ هَذَا التَّحَدِّي الْبَالِغِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ فَأَضْرَبَ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَانْتَقَلَ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُمْ سَارَعُوا إِلَى تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ وَيَفْهَمُوا مَعَانِيَهُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ، وَهَكَذَا صَنَعَ مَنْ تَصَلَّبَ فِي التَّقْلِيدِ وَلَمْ يُبَالِ بِمَا جَاءَ بِهِ مَنْ دَعَا إِلَى الْحَقِّ وَتَمَسَّكَ بِذُيُولِ الْإِنْصَافِ ، بَلْ يَرُدُّهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَمْ يُوَافِقْ هَوَاهُ ، وَلَا جَاءَ عَلَى طَبَقِ دَعْوَاهُ ، قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَاهُ وَيَعْلَمَ مَبْنَاهُ ، كَمَا تَرَاهُ عَيَانًا وَتَعْلَمُهُ وُجْدَانًا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِالْحُجَّةِ النَّيِّرَةِ ، وَالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ ، قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ بِعِلْمِهِ ، فَهُوَ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِشَيْءٍ فِي هَذَا التَّكْذِيبِ ، إِلَّا مُجَرَّدَ كَوْنِهِ جَاهِلًا لِمَا كَذَّبَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ ، فَكَانَ بِهَذَا التَّكْذِيبِ مُنَادِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَهْلِ بِأَعْلَى صَوْتٍ ، وَمُسَجِّلًا بِقُصُورِهِ عَنْ تَعَقُّلِ الْحُجَجِ بِأَبْلَغِ تَسْجِيلٍ ، وَلَيْسَ عَلَى الْحُجَّةِ وَلَا عَلَى مَنْ جَاءَ بِهَا مِنْ تَكْذِيبِهِ شَيْءٌ :
مَا يَبْلُغُ الْأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ أَيْ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَبِمَا لَمْ يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ، أَوْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ : أَيْ كَذَّبُوا بِهِ حَالَ كَوْنِهِمْ لَمْ يَفْهَمُوا تَأْوِيلَ مَا كَذَّبُوا بِهِ وَلَا بَلَغَتْهُ عُقُولُهُمْ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْهُمْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحَاطَةِ بِعِلْمِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْرِفُوا مَا يَئُولُ إِلَيْهِ مِنْ صِدْقِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ، مِنْ حِكَايَةِ مَا سَلَفَ مِنْ أَخْبَارِ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَالْأُمَمِ السَّابِقِينَ ، وَمِنْ حِكَايَاتِ مَا سَيَحْدُثُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا قَبْلَ كَوْنِهَا ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَفْهَمُوهُ حَقَّ الْفَهْمِ وَتَتَعَقَّلَهُ عُقُولُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَوْ تَدَبَّرُوهُ كُلِّيَّةَ التَّدَبُّرِ لَفَهِمُوهُ كَمَا يَنْبَغِي ، وَعَرَفُوا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الدَّالَّةِ أَبْلَغَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى تَأْوِيلِهِ : مَا يَئُولُ إِلَيْهِ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ مِنَ الْمَعَانِي الرَّشِيقَةِ ، وَاللَّطَائِفِ الْأَنِيقَةِ ، وَكَلِمَةُ التَّوَقُّعِ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ التَّكْذِيبِ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ أَنْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِحُجَجِ اللَّهِ وَبَرَاهِينِهِ ، فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ تَأْوِيلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ بِالْخَسْفِ وَالْمَسْخِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي حَلَّتْ بِهِمْ كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ عَنْهُمْ ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَيْهِمْ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أَيْ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ فِي نَفْسِهِ ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ وَحَقٌّ ، وَلَكِنَّهُ كَذَّبَ بِهِ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ : وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَذَّبَ بِهِ فِي الْحَالِ ، وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ ، وَخَبَرُهُ " مِنْهُمْ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يُصَدِّقُهُ فِي نَفْسِهِ ، بَلْ كَذَّبَ بِهِ جَهْلًا كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ ، أَوْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، بَلْ يَبْقَى عَلَى جُحُودِهِ وَإِصْرَارِهِ ، وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ خَاصٌّ بِأَهْلِ
مَكَّةَ ، وَقِيلَ : عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ : الْمُصِرُّونَ الْمُعَانِدُونَ ، أَوْ بِكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَيُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ ، وَالَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِهِ جَهْلًا ، أَوِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ .
ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ إِنْ أَصَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِهِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَيْ لِي جَزَاءُ عَمَلِي وَلَكُمْ جَزَاءُ عَمَلِكُمْ ، فَقَدْ أَبْلَغْتُ إِلَيْكُمْ مَا أُمِرْتُ بِإِبْلَاغِهِ ، وَلَيْسَ عَلَيَّ غَيْرُ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ :
[ ص: 626 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ أَيْ لَا تُؤَاخَذُونَ بِعَمَلِي ، وَلَا أُؤَاخَذُ بِعَمَلِكُمْ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَأَبُو الشَّيْخِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يَقُولُ : سَبَقَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو الشَّيْخِ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، قَالَ : صَدَقَتْ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَأَبُو الشَّيْخِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى قَالَ : الْأَوْثَانُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ
ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=41وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي الْآيَةَ ، قَالَ : أَمَرَهُ بِهَذَا ثُمَّ نَسَخَهُ فَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ .