أي لقد كان في قصتهم علامات دالة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه للسائلين من الناس عنها ، وقرأ أهل مكة آية على التوحيد ، وقرأ الباقون على الجمع ، واختار قراءة الجمع أبو عبيد .
قال النحاس : وآية ههنا قراءة حسنة ، وقيل المعنى : لقد كان في يوسف وإخوته آيات دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسائلين له من اليهود ، فإنه روي أنه قال له جماعة من اليهود وهو بمكة : أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي ، ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب ولا من يعرف خبر الأنبياء ، وإنما وجهوا إليه من أهل المدينة من يسأله عن هذا ، فأنزل الله سورة يوسف جملة واحدة كما في التوراة .
وقيل معنى آيات للسائلين عجب لهم ، وقيل بصيرة ، وقيل عبرة .
قال القرطبي : وأسماؤهم يعني إخوة يوسف : روبيل ، وهو أكبرهم ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، وريالون ، ويشجر ، وأمهم ليا بنت ليان وهي بنت خال يعقوب ، وولد له من سريتين أربعة ، وهم : دان ، ونفتالي ، وجاد ، وآشر ، ثم ماتت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف ، وبنيامين ، وقال السهيلي : إن أم يوسف اسمها وقفا ، وراحيل ماتت من نفاس بنيامين وهو أكبر من يوسف .
إذ قالوا ليوسف وأخوه أي وقت قالوا ، والظرف متعلق بكان أحب إلى أبينا منا والمراد بقوله وأخوه هو بنيامين ، وخصوه بكونه أخاه مع أنهم جميعا إخوته ، لأنه أخوه لأبويه كما تقدم ، ووحد الخبر فقال : أحب مع تعدد المبتدأ ، لأن أفعل التفضيل يستوي فيه الواحد وما فوقه إذا لم يعرف ، واللام في ليوسف هي الموطئة للقسم ، وإنما قالوا هذه لأنه بلغهم خبر الرؤيا فأجمع رأيهم على كيده ، وجملة ونحن عصبة في محل نصب على الحال ، والعصبة : الجماعة ، قيل وهي ما بين الواحد إلى العشرة ، وقيل إلى الخمسة عشر ، وقيل من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها بل هي كالنفر والرهط ، وقد كانوا عشرة إن أبانا لفي ضلال مبين أي لفي ذهاب عن وجه التدبير بالترجيح لهما علينا وإيثارهما دوننا مع استوائنا في الانتساب إليه ولا يصح أن يكون مرادهم أنه في دينه في ضلال مبين .
اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا أي قالوا : افعلوا به أحد الأمرين : إما القتل ، أو الطرح في أرض ، أو المشير بالقتل بعضه والمشير بالطرح البعض الآخر ، أو كان المتكلم بذلك واحد منهم فوافقه الباقون ، فكانوا كالقائل في نسبة هذا المقول إليهم ، وانتصاب أرضا على الظرفية ، والتنكير للإبهام : أي أرضا مجهولة ، وجواب الأمر يخل لكم وجه أبيكم أي يصف ويخلص فيقبل عليكم ويحبكم حبا كاملا ، وتكونوا معطوف على يخل ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن ، من بعده أي من بعد يوسف والمراد بعد الفراغ من قتله أو طرحه ، وقيل من بعد الذنب الذي اقترفوه في يوسف قوما صالحين في أمور دينكم وطاعة أبيكم ، أو صالحين في أمور دنياكم لذهاب ما كان يشغلكم عن ذلك ، وهو الحسد ليوسف وتكدر خواطركم بتأثيره عليكم هو وأخوه ، أو المراد بالصالحين : التائبون من الذنب .
قال قائل منهم أي من الإخوة ، قيل هو يهوذا ، وقيل روبيل ، وقيل شمعون " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب " قيل ووجه الإظهار في لا تقتلوا يوسف استجلاب شفقتهم عليه .
قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام في غيابة الجب بالإفراد .
وقرأ أهل المدينة في غيابات بالجمع ، واختار أبو عبيد الإفراد وأنكر الجمع ، لأن الموضع الذي ألقوه فيه واحد ، قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ، وغيابات على الجمع تجوز ، والغيابة كل شيء غيب عنك شيئا ، وقيل للقبر غيابة ، والمراد بها هنا غور البئر الذي لا يقع البصر عليه ، أو طاقة فيه ، قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذاكما قد غيبتني غيابيا
والجب : البئر التي لم تطو ، ويقال لها قبل الطي ركية ، فإذا طويت قيل لها بئر ، سميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ، وجمع الجب جبب وجباب وأجباب ، وجمع بين الغيابة والجب مبالغة في أن يلقوه في مكان من الجب شديد الظلمة حتى لا يدركه نظر الناظرين ، قيل وهذه البئر ببيت المقدس ، وقيل بالأردن ، وجواب الأمر يلتقطه بعض السيارة قرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة تلتقطه بالمثناة الفوقية ، ووجهه أن بعض السيارة سيارة .وحكي عن سقطت بعض أصابعه ، ومنه قول الشاعر : سيبويه
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ، فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم [ ص: 685 ] ظلما وبغيا ، وقيل كانوا أنبياء ، وكان ذلك منهم زلة قدم وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم .
ورد بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكثيرة المتبالغة في الكبر ، مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب ، وقيل إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء ، بل صاروا أنبياء من بعد .
وقد أخرج عن ابن أبي حاتم الحسن في قوله : آيات للسائلين قال عبرة ، وأخرج أيضا عن قتادة في الآية يقول : من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قص الله عليكم وأنبأكم به ، وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك نحوه ، وأخرج عن ابن جرير قال : إنما قص الله على ابن إسحاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوته ليتأسى به .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : إذ قالوا ليوسف وأخوه يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه ، وفي قوله ونحن عصبة قال : العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : العصبة الجماعة إن أبانا لفي ضلال مبين قال : لفي خطأ من رأيه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في قوله : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف قال : قاله كبيرهم الذي تخلف ، قال : والجب بئر بالشام يلتقطه بعض السيارة قال : التقطه ناس من الأعراب .
وأخرج ابن جرير عنه في قوله : وابن أبي حاتم وألقوه في غيابة الجب يعني الركية .
وأخرج عن ابن جرير الضحاك قال الجب البئر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال : هي بئر ببيت المقدس ، يقول في بعض نواحيها .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ابن زيد قال : الجب بحذاء طبرية بينه وبينها أميال .