ذكر سبحانه ما كان من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال : وجاء أهل المدينة يستبشرون أي أهل مدينة قوم لوط ، وهي سلوم كما سبق ، وجملة يستبشرون في محل نصب على الحال ، أي : مستبشرون بأضياف لوط طمعا في ارتكاب الفاحشة منهم .
فقال لهم لوط : إن هؤلاء ضيفي . وحد الضيف لأنه مصدر كما تقدم ، والمراد أضيافي ، وسماهم ضيفا لأنه رآهم على هيئة الأضياف ، وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه ، فلذلك طمعوا فيهم فلا تفضحون يقال : فضحه يفضحه فضيحة وفضحا إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بإظهاره ، والمعنى : لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية من نزل بي ، أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي ، فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضح المضيف .
واتقوا الله في أمرهم ولا تخزون يجوز أن تكون من الخزي : وهو الذل والهوان ، ويجوز أن يكون من الخزاية وهي الحياء والخجل ، وقد تقدم تفسير ذلك في هود .
قالوا أي قوم لوط مجيبين له أولم ننهك عن العالمين الاستفهام للإنكار ، والواو للعطف على مقدر ، أي : ألم نتقدم إليك وننهك عن أن تكلمنا في شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة ؟ وقيل : نهوه عن ضيافة الناس ، ويجوز حمل ما في الآية على ما هو أعم من هذين الأمرين .
قال هؤلاء بناتي فتزوجوهن إن كنتم فاعلين ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتي تزوجوهن حلالا ولا تركبوا الحرام ، وقيل : أراد ببناته نساء قومه ، لكون النبي بمنزلة الأب لقومه ، وقد تقدم تفسير هذا في هود .
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون العمر والعمر بالفتح والضم واحد ، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم ، ذكر ذلك . الزجاج
قال : اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة القاضي عياض محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى فقال : قال المفسرون بأجمعهم : أقسم الله تعالى هاهنا بحياة أبو بكر بن العربي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تشريفا له .
قال ابن الجوزاء : ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أكرم البرية عنده .
قال ابن العربي : ما الذي يمنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتي ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أكرم على الله منه ، أولا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم ، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع .
قال القرطبي : ما قاله حسن ، فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلاما معترضا في قصة لوط ، فإن قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ، ونحو ذلك فما فيهما من فضل .
وأجيب بأنه ما من شيء أقسم الله به إلا وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه ، وذكر صاحب الكشاف وأتباعه أن هذا هو من الملائكة على إرادة القول ، أي : قالت الملائكة للوط لعمرك ، ثم قال : وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له . انتهى .
وقد كره كثير من العلماء وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله فليس لعباده أن يقسموا بغيره ، وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته ، القسم بغير الله سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [ الأنبياء : 23 ] وقيل : الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون وطور سنين والنجم والضحى والشمس والليل ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به ، أي : وخالق التين ، وكذلك ما بعده ، وفي قوله : لعمرك أي وخالق عمرك ، ومعنى إنهم لفي سكرتهم يعمهون : لفي غوايتهم يتحيرون ، جعل الغواية لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة ، والضمير لقريش على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أو لقوم لوط على أن القسم للرسول عليه السلام .
فأخذتهم الصيحة العظيمة أو صيحة جبريل حال كونهم مشرقين أي داخلين في وقت الشروق ، يقال أشرقت الشمس ، أي : أضاءت وشرقت إذا طلعت ، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد وأشرق القوم إذا دخلوا في وقت شروق الشمس ، وقيل : أراد شروق الفجر ، وقيل : أول العذاب كان عند شروق الفجر وامتد إلى طلوع الشمس .
والصيحة : العذاب .
فجعلنا عاليها سافلها أي عالي المدينة سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل من طين متحجر ، وقد تقدم الكلام مستوفى على هذا في سورة هود .
إن في ذلك أي في المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم لآيات لعلامات يستدل بها للمتوسمين للمتفكرين الناظرين في الأمر ، ومنه قول زهير :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال الآخر :أوكلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وإنها لبسبيل مقيم يعني قرى قوم لوط أو مدينتهم على طريق ثابت ، وهي الطريق من المدينة إلى الشام فإن السالك في هذه الطريق يمر بتلك القرى .
إن في ذلك المذكور من المدينة أو القرى لآية للمؤمنين يعتبرون بها فإن المؤمنين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار .
وقد أخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قتادة في وجاء أهل المدينة يستبشرون قال : استبشروا بأضياف نبي الله قوله : لوط حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : وابن أبي حاتم أولم ننهك عن العالمين قال : يقولون أولم ننهك أن تضيف أحدا أو تئويه .
قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين أمرهم لوط بتزويج النساء وأراد أن يقي أضيافه ببناته .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن قال : ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من ابن عباس محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ، قال : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون يقول : وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا .
وأخرج ابن جرير عنه في قوله : لعمرك قال : لعيشك . وابن أبي حاتم
وأخرج ابن مردويه عن قال : ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد قال لعمرك الآية . أبي هريرة
وأخرج عن ابن جرير قال : كانوا يكرهون أن يقول الرجل " لعمري " يرونه كقوله وحياتي . إبراهيم النخعي
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قتادة إنهم لفي سكرتهم يعمهون أي في ضلالهم يلعبون .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم في الآية : لفي غفلتهم يترددون . الأعمش
وأخرج ابن المنذر عن فأخذتهم الصيحة مثل الصاعقة ، وكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة . ابن جريج
وأخرج عنه مشرقين قال : حين أشرقت الشمس . ابن جرير
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن في قوله : ابن عباس إن في ذلك لآية قال : علامة ، أما ترى الرجل يرسل خاتمه إلى أهله ، فيقول هاتوا كذا وكذا ، فإذا رأوه عرفوا أنه حق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه وابن أبي حاتم للمتوسمين قال : للناظرين .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال : للمعتبرين .
وأخرج ابن جريج وابن المنذر عن مجاهد قال : للمتفرسين ، وأخرج في التاريخ البخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في ذلك لآيات للمتوسمين . اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ، ثم قرأ :
وأخرج عن ابن أبي حاتم ابن عباس وإنها لبسبيل مقيم يقول لبهلاك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم مجاهد قال : لبطريق مقيم .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قتادة قال : لبطريق واضح .