[ ص: 1146 ] الخطاب بقوله : ألم تر لكل أحد يصلح لذلك أو للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي : يدخل كل واحد منهما في الآخر ، وقد تقدم تفسيره في سورة الحج والأنعام وسخر الشمس والقمر أي : ذللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وتتميما للمنافع ، والجملة معطوفة على ما قبلهما مع اختلافهما كل يجري إلى أجل مسمى اختلف في الأجل المسمى ماذا هو ؟ فقيل : هو يوم القيامة ، وقيل : وقت الطلوع ووقت الأفول ، والأول أولى ، وجملة وأن الله بما تعملون خبير معطوفة على أن الله يولج أي : خبير بما تعملونه من الأعمال لا تخفى عليه منها خافية ؛ لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما تعملونه بالأولى .
قرأ الجمهور " تعملون " بالفوقية ، وقرأ السلمي ونصر بن عامر عن والدوري أبي عمرو بالتحتية على الخبر .
والإشارة بقوله : ذلك إلى ما تقدم ذكره ، والباء في بأن الله للسببية أي : ذلك بسبب أنه - سبحانه - هو الحق وغيره الباطل ، أو متعلقة بمحذوف أي : فعل ذلك ليعلموا أنه الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل قال مجاهد : الذي يدعون من دونه هو الشيطان ، وقيل : ما أشركوا به من صنم أو غيره ، وهذا أولى وأن الله هو العلي الكبير معطوفة على جملة بأن الله هو الحق والمعنى : أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدمة للاستدلال به على حقية الله ، وبطلان ما سواه ، وعلوه وكبريائه : هو العلي في مكانته ، ذو الكبرياء في ربوبيته وسلطانه .
ثم ذكر من عجيب صنعه وبديع قدرته نوعا آخر فقال : ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله أي : بلطفه بكم ورحمته لكم ، وذلك من أعظم نعمه عليكم ؛ لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم في البحر لطلب الرزق ، وقرأ ابن هرمز بنعمات الله جمع نعمة ليريكم من آياته من للتبعيض أي : ليريكم بعض آياته .
قال : وهو جري السفن في البحر بالريح . يحيى بن سلام
وقال ابن شجرة : المراد بقوله من آياته ما يشاهدونه من قدرة الله ، وقال النقاش : ما يرزقهم الله في البحر إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور هذه الجملة تعليل لما قبلها أي : إن فيما ذكر لآيات عظيمة لكل من له صبر بليغ وشكر كثير يصبر عن معاصي الله ويشكر نعمه .
وإذا غشيهم موج كالظلل شبه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل .
وهي جمع ، لأن الموت يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا .
وقيل : إن الموج في معنى الجمع ؛ لأنه مصدر ، وأصل الموج الحركة والازدحام ، ومنه يقال : ماج البحر وماج الناس .
وقرأ " موج كالظلال " جمع ظل . محمد ابن الحنفية دعوا الله مخلصين له الدين أي : دعوا الله وحده لا يعولون على غيره في خلاصهم ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يضر ولا ينفع سواه ، ولكنه تغلب على طبائعهم العادات وتقليد الأموات ، فإذا وقعوا في مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله وأخلصوا دينهم له طلبا للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه فلما نجاهم إلى البر صاروا على قسمين : فقسم مقتصد أي : موف بما عاهد عليه الله في البحر من إخلاص الدين له باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر ، وأخرجه إلى البر سالما .
قال الحسن : معنى " مقتصد " مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة . وقال مجاهد : مقتصد في القول مضمر للكفر ، والأولى ما ذكرناه ، ويكون في الكلام حذف ، والتقدير فمنهم مقتصد ومنهم كافر ، ويدل على هذا المحذوف قوله : وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور الختر : أسوأ الغدر وأقبحه ، ومنه قول الأعشى :
بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير ختار
قال الجوهري : الختر الغدر ، يقال : ختره فهو ختار .
قال الماوردي : وهذا قول الجمهور .
وقال ابن عطية : إنه الجاحد ، وجحد الآيات : إنكارها ، والكفور : عظيم الكفر بنعم الله - سبحانه - .
يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده أي : لا يغني الوالد عن ولده شيئا ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه .
وقد تقدم بيان معناه في البقرة ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ذكر - سبحانه - فردين من القرابات وهو الوالد والولد وهما الغاية في الحنو والشفقة على بعضهم البعض فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى فكيف بالأجانب . اللهم اجعلنا ممن لا يرجو سواك ولا يعول على غيرك
إن وعد الله حق لا يتخلف فما وعد به من الخير وأوعد به من الشر فهو كائن لا محالة فلا تغرنكم الحياة الدنيا وزخارفها فإنها زائلة ذاهبة ولا يغرنكم بالله الغرور قرأ الجمهور " الغرور " بفتح الغين المعجمة ، والغرور هو الشيطان ، لأن من شأنه أن يغر الخلق ويمنيهم بالأماني الباطلة ، ويلهيهم عن الآخرة ، ويصدهم عن طريق الحق .
وقرأ ، سماك بن حرب وأبو حيوة ، وابن السميفع بضم الغين مصدر غر يغر غرورا ، ويجوز أن يكون مصدرا واقعا وصفا للشيطان على المبالغة .
إن الله عنده علم الساعة أي : علم وقتها الذي تقوم فيه .
قال الفراء : إن معنى هذا الكلام النفي أي : ما يعلمه أحد إلا الله - عز وجل - .
قال النحاس : وإنما صار فيه معنى النفي لما ورد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال في قوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ الأنعام : 59 ] إنها هذه ، وينزل الغيث في الأوقات التي جعلها معينة لإنزاله ولا يعلم ذلك غيره ويعلم ما في الأرحام من الذكور والإناث والصلاح والفساد وما تدري نفس من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن والإنس ماذا تكسب غدا من كسب دين أو كسب دنيا وما تدري نفس بأي أرض تموت أي : بأي مكان يقضي الله عليها بالموت .
قرأ الجمهور " وينزل الغيث " [ ص: 1147 ] مشددا .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وحمزة مخففا . والكسائي
وقرأ الجمهور " بأي أرض " وقرأ أبي بن كعب وموسى الأهوازي " بأية " وجوز ذلك الفراء وهي لغة ضعيفة .
قال الأخفش : يجوز أن يقال : مررت بجارية أي جارية .
قال : من ادعى أنه يعلم شيئا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن ؛ لأنه خالفه . الزجاج
وقد أخرج عن ابن جرير في قوله : ختار قال : جحاد . ابن عباس
وأخرج ابن المنذر ، ، عنه في قوله : وابن أبي حاتم ولا يغرنكم بالله الغرور قال : هو الشيطان . وكذا قال مجاهد وعكرمة ، وقتادة . وأخرج ، الفريابي ، وابن جرير ، عن وابن أبي حاتم مجاهد قال جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله إن الله عنده علم الساعة الآية .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وزاد : وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا ؟ وزاد أيضا أنه سأله عن قيام الساعة .
وأخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ابن عمر : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث في حديث سؤاله عن الساعة وجوابه بأشراطها ، ثم قال أبي هريرة ، ثم تلا هذه الآية وفي الباب أحاديث . في خمس لا يعلمهن إلا الله