قوله : ولقد آتينا موسى الكتاب أي : التوراة فلا تكن يا محمد في مرية أي : شك وريبة [ ص: 1154 ] من لقائه ، قال الواحدي : قال المفسرون : وعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ، ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به .
وهذا قول مجاهد والكلبي والسدي .
وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها .
وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب ، قاله : وقال الزجاج الحسن : إن معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب فكذب وأوذي ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى فيكون الضمير في لقائه على هذا عائدا على محذوف ، والمعنى : من لقاء ما لاقى موسى .
قال النحاس : وهذا قول غريب .
وقيل : في الكلام تقدير وتأخير ، والمعنى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، فلا تكن في مرية من لقائه ، فجاء معترضا بين ولقد آتينا موسى الكتاب وبين وجعلناه هدى لبني إسرائيل وقيل : الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله : وإنك لتلقى القرآن [ النمل : 6 ] والمعنى : إنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وما أبعد هذا ، ولعل الحامل لقائله عليه قوله : وجعلناه هدى لبني إسرائيل فإن الضمير راجع إلى الكتاب ، وقيل : إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله : ثم إلى ربكم ترجعون [ السجدة : 11 ] أي : لا تكن في مرية من لقاء الرجوع وهذا بعيد أيضا .
واختلف في الضمير في قوله وجعلناه فقيل : هو راجع إلى الكتاب أي : جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ، قاله الحسن وغيره .
وقال قتادة : إنه راجع إلى موسى أي : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل .
وجعلنا منهم أئمة أي : قادة يقتدون به في دينهم ، وقرأ الكوفيون " أئمة " قال النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة ، ومعنى يهدون بأمرنا أي : يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا أي : بأمرنا لهم بذلك ، أو لأجل أمرنا .
وقال قتادة : المراد بالأئمة الأنبياء منهم .
وقيل : العلماء ، لما صبروا قرأ الجمهور " لما " بفتح اللام وتشديد الميم أي : حين صبروا ، والضمير للأئمة ، وفي لما معنى : الجزاء ، والتقدير : لما صبروا جعلناهم أئمة ، وقرأ حمزة ، والكسائي وخلف ، عن وورش يعقوب ، بكسر اللام ، وتخفيف الميم أي : جعلناهم أئمة لصبرهم ، واختار هذه القراءة ويحيى بن وثاب أبو عبيد مستدلا بقراءة " بما صبروا " بالباء ، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاق التكليف والهداية للناس ، وقيل : صبروا عن الدنيا وكانوا بآياتنا التنزيلية يوقنون أي : يصدقونها ويعلمون أنها حق ، وأنها من عند الله لمزيد تفكرهم وكثرة تدبرهم . ابن مسعود
إن ربك هو يفصل بينهم أي : يقضي بينهم ويحكم بين المؤمنين والكفار يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون وقيل : يقضي بين الأنبياء وأممهم ، حكاه النقاش .
أولم يهد لهم أي : أولم يبين لهم ، والهمزة للإنكار ، والفاعل ما دل عليه كم أهلكنا من قبلهم من القرون أي : أولم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم .
قال الفراء : كم في موضع رفع بيهد .
وقال : إن الفاعل الهدى المدلول عليه بيهد أي : أولم يهد لهم الهدى . المبرد
وقال : كم في موضع نصب بأهلكنا ، قرأ الجمهور " أولم يهد " بالتحتية ، وقرأ الزجاج السلمي ، وقتادة وأبو زيد عن يعقوب بالنون ، وهذه القراءة واضحة .
قال النحاس : والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال ; لأنه يقال : الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد ؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدمنا ذكره ، والمراد بالقرون : عاد وثمود ونحوهم ، وجملة يمشون في مساكنهم في محل نصب على الحال من ضمير لهم أي : والحال أنهم يمشون في مساكن المهلكين ويشاهدونها ، وينظرون ما فيها من العبر ، وآثار العذاب ، ولا يعتبرون بذلك ، وقيل : يعود إلى المهلكين ، والمعنى : أهلكناهم حال كونهم ماشين في مساكنهم ، والأول أولى : إن في ذلك المذكور لآيات عظيمات أفلا يسمعونها ويتعظون بها .
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز أي : أولم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها ، وقيل : هي اليابسة ، وأصله من الجرز وهو القطع : أي : التي قطع نباتها لعدم الماء ، ولا يقال للتي لا تنبت أصلا كالسباخ جرز لقوله : فنخرج به زرعا قيل : هي أرض اليمن ، وقيل : أرض عدن .
وقال الضحاك : هي الأرض العطشى .
وقال الفراء : هي الأرض التي لا نبات فيها .
وقال : هي الأرض التي لا تنبت شيئا . الأصمعي
قال : يبعد أن تكون الأرض بعينها لدخول الألف واللام ، وقيل : هي مشتقة من قولهم رجل جروز : إذا كان لا يبقي شيئا إلا أكله ، ومنه قول الراجز : المبرد
خب جروز وإذا جاع بكى ويأكل التمر ولا يلقي النوى
وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شيء تجده .
وقال مجاهد : إنها أرض النيل ، لأن الماء إنما يأتيها في كل عام فنخرج به أي : بالماء زرعا تأكل منه أنعامهم أي : من الزرع كالتبن والورق ونحوهما مما لا يأكله الناس وأنفسهم أي : يأكلون الحبوب الخارجة في الزرع مما يقتاتونه ، وجملة تأكل منه أنعامهم في محل نصب على الحال . أفلا يبصرون هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه لكونه المنفرد بإيجاد ذلك .
ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين القائلون هم الكفار على العموم ، أو كفار مكة على الخصوص أي : متى الفتح الذي تعدوننا به ، يعنون بالفتح : القضاء والفصل بين العباد ، وهو يوم البعث الذي يقضي الله فيه بين عباده ، قاله مجاهد وغيره .
وقال الفراء والقتيبي : هو فتح مكة . قال قتادة : قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للكفار : إن لنا يوما ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم : يعنون يوم القيامة ، فقال الكفار : متى هذا الفتح ؟ وقال السدي : هو يوم بدر ، لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا [ ص: 1155 ] يقولون للكفار : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، ومتى في قوله : متى هذا الفتح في موضع رفع ، أو في موضع نصب على الظرفية .
ثم أمر الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجيب عليهم ، فقال : قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون وفي هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة ، لأن يوم فتح مكة ويوم بدر هما مما ينفع فيه الإيمان ، وقد أسلم أهل مكة يوم الفتح وقبل ذلك منهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ومعنى ولا هم ينظرون لا يمهلون ولا يؤخرون ، ويوم في يوم الفتح منصوب على الظرفية ، وأجاز الفراء الرفع .
فأعرض عنهم أي : عن سفههم وتكذيبهم ولا تجبهم إلا بما أمرت به وانتظر إنهم منتظرون أي : وانتظر يوم الفتح ، وهو يوم القيامة ، أو يوم إهلاكهم بالقتل إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت أو قتل أو غلبة كقوله : فتربصوا إنا معكم متربصون [ التوبة : 52 ] ويجوز أن يراد إنهم منتظرون لإهلاكهم ، والآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : غير منسوخة ، إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال .
وقرأ ابن السميفع " إنهم منتظرون " بفتح الظاء مبنيا للمفعول ، ورويت هذه القراءة عن مجاهد وابن محيصن .
قال الفراء : لا يصح هذا إلا بإضمار ، أي : إنهم منتظر بهم .
قال أبو حاتم : الصحيح الكسر أي : انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك .
وقد أخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما من حديث قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ابن عباس موسى بن عمران رجلا طويلا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت رأيت ليلة أسري بي عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله إياه قال فلا تكن في مرية من لقائه فكان قتادة يفسرها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد لقي موسى وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .
وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند قال السيوطي : صحيح عن عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن عباس فلا تكن في مرية من لقائه قال من لقاء موسى ، قيل : أو لقي موسى ؟ قال نعم ، ألا ترى إلى قوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا [ الزخرف : 45 ] .
وأخرج ، الفريابي ، وابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز قال : الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير وابن المنذر ، ، عنه في قوله : وابن أبي حاتم إلى الأرض الجرز قال : أرض باليمن .
قال القرطبي في تفسيره : والإسناد عن صحيح لا مطعن فيه . ابن عباس
وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن في قوله : ابن عباس ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قال : يوم بدر فتح للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت .