والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ( 35 ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( 36 )
قوله : إن المسلمين بدأ - سبحانه - بذكر الإسلام الذي هو مجرد الدخول في الدين والانقياد له مع العمل ، كما ثبت في الحديث الصحيح جبريل عن الإسلام قال : هو أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان . أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سأله
ثم عطف على المسلمين المسلمات تشريفا لهن بالذكر .
وهكذا فيما بعد وإن كن داخلات في لفظ المسلمين والمؤمنين ونحو ذلك ، والتذكير إنما هو لتغليب الذكور على الإناث كما في جميع ما ورد في الكتاب العزيز من ذلك ، ثم ذكر المؤمنين والمؤمنات وهم من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والقانت : العابد المطيع ، وكذا القانتة ، وقيل : المداومين على العبادة والطاعة ، والصادق والصادقة هما من يتكلم بالصدق ويتجنب الكذب ويفي بما عوهد عليه ، والصابر والصابرة هما من يصبر عن الشهوات وعلى مشاق التكليف ، والخاشع والخاشعة هما المتواضعان لله الخائفان منه الخاضعان في عبادتهم لله ، والمتصدق والمتصدقة هما من تصدق من ماله بما أوجبه الله عليه .
وقيل : ذلك أعم من صدقة الفرض والنفل ، وكذلك الصائم والصائمة ، قيل : ذلك مختص بالفرض ، وقيل : هو أعم ، والحافظ والحافظة لفرجيهما عن الحرام بالتعفف والتنزه والاقتصار على الحلال ، والذاكر والذاكرة هما من يذكر الله على أحواله ، وفي ذكر الكثرة دليل على مشروعية الاستكثار من ذكر الله - سبحانه - بالقلب واللسان ، واكتفى في الحافظات بما تقدم في الحافظين من ذكر الفروج والتقدير : والحافظين فروجهم والحافظات فروجهن ، وكذا في الذاكرات والتقدير : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الله كثيرا ، والخبر لجميع ما تقدم هو قوله : أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما أي : مغفرة لذنوبهم التي أذنبوها وأجرا عظيما على طاعاتهم التي فعلوها من الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والعفاف والذكر ، ووصف الأجر بالعظم للدلالة على أنه بالغ غاية المبالغ ، ولا شيء أعظم من أجر هو الجنة ونعيمها الدائم الذي لا ينقطع ولا ينفد ، اللهم اغفر ذنوبنا وأعظم أجورنا .
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم أي : ما صح ولا استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين ، ولفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها المنع والحظر من الشيء والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعا ، وقد يكون لما يمتنع عقلا كقوله : ما كان لكم أن تنبتوا شجرها [ النمل : 60 ] ومعنى الآية : أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرا أن يختار من أمر نفسه ما شاء ، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله واختاره له ، وجمع الضميرين في قوله : لهم و من أمرهم ; لأن مؤمن ومؤمنة وقعا في سياق النفي فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة .
قرأ الكوفيون أن يكون بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ; لأنه قد فرق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله : لهم مع كون التأنيث غير حقيقي ، وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسندا إلى الخيرة وهي مؤنثة لفظا ، والخيرة مصدر بمعنى الاختيار .
وقرأ ابن السميفع " الخيرة " بسكون التحتية ، والباقون بتحريكها ، ثم توعد - سبحانه - من لم يذعن لقضاء الله وقدره فقال : ومن يعص الله ورسوله في أمر من الأمور ، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء فقد ضل ضلالا مبينا ضل عن طريق الحق ضلالا ظاهرا واضحا لا يخفى .
وقد أخرج أحمد ، ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، والطبراني وابن مردويه قالت : قلت : يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول : إن الله يقول أم سلمة إن المسلمين والمسلمات إلى آخر الآية . عن
وروي نحو هذا عنها من طريق أخرى أخرجها الفريابي وابن سعد وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه .
وأخرج ، الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد وحسنه ، والترمذي والطبراني وابن مردويه عن أنها أتت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ما أرى كل شيء إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء ؟ فنزلت هذه الآية أم عمارة الأنصارية إن المسلمين والمسلمات .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه بإسناد قال السيوطي : حسن ، عن قال : قالت النساء يا رسول الله ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات ؟ فنزلت ابن عباس إن المسلمين والمسلمات الآية .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن - رضي الله عنهما - قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن عباس ، فدخل على زيد بن حارثة فخطبها ، قالت : لست بناكحته ، قال : بلى فانكحيه ، قالت : يا رسول الله أؤامر نفسي ، فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله زينب بنت جحش الأسدية وما كان لمؤمن ولا مؤمنة الآية ، قالت : قد رضيته لي يا رسول الله منكحا ، قال نعم ، قالت : إذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي . انطلق ليخطب على فتاه
وأخرج نحوه عنه من طريق أخرى . ابن جرير
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لزينب : إني أريد أن أزوجك فإني قد رضيته لك ، قالت يا رسول الله لكني لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قومي وبنت عمتك فلم أكن [ ص: 1171 ] لأفعل ، فنزلت هذه الآية : زيد بن حارثة وما كان لمؤمن يعني زيدا ولا مؤمنة يعني زينب إذا قضى الله ورسوله أمرا يعني النكاح في هذا الموضع أن يكون لهم الخيرة من أمرهم يقول : ليس لهم الخيرة من أمرهم خلاف ما أمر الله به ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا قالت : قد أطعتك فاصنع ما شئت ، فزوجها زيدا ودخل عليها .
وأخرج عن ابن أبي حاتم زيد قال : نزلت في وكانت أول امرأة هاجرت فوهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فزوجها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده . زيد بن حارثة