يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( 41 ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( 42 ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ( 43 ) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( 44 ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( 46 ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( 47 ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 48 )
[ ص: 1173 ] قوله : ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا أمر - سبحانه - عباده بأن يستكثروا من ذكره بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وكل ما هو ذكر لله - تعالى - .
قال مجاهد : هو أن لا ينساه أبدا ، وقال الكلبي : ويقال : ذكرا كثيرا بالصلوات الخمس ، وقال مقاتل : هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال .
وسبحوه بكرة وأصيلا أي : نزهوه عما لا يليق به في وقت البكرة ووقت الأصيل ، وهم أول النهار وآخره ، وتخصيصهما بالذكر لمزيد ثواب التسبيح فيهما ، وخص التسبيح بالذكر بعد دخوله تحت عموم قوله : اذكروا الله تنبيها على مزيد شرفه ، وإنافة ثوابه على غيره من الأذكار .
وقيل : المراد بالتسبيح بكرة صلاة الفجر ، وبالتسبيح أصيلا صلاة المغرب .
وقال قتادة ، : المراد صلاة الغداة وصلاة العصر . وابن جرير
وقال الكلبي : أما بكرة فصلاة الفجر ، وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
قال : والأصيل العشي وجمعه أصائل . المبرد
هو الذي يصلي عليكم وملائكته والصلاة من الله على العباد رحمته لهم وبركته عليهم ، ومن الملائكة الدعاء لهم والاستغفار كما قال ويستغفرون للذين آمنوا [ غافر : 7 ] قال مقاتل بن سليمان : المعنى ويأمر ملائكته بالاستغفار لكم ، والجملة مستأنفة كالتعليل لما قبلها من الأمر بالذكر والتسبيح . ومقاتل بن حيان
وقيل : الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده ، وقيل : الثناء عليه ، وعطف ملائكته على الضمير المستكن في يصلي لوقوع الفصل بقوله عليكم فأغنى ذلك عن التأكيد بالضمير بمعنى الدعاء لئلا يجمع بين حقيقة ومجاز في كلمة واحدة ، واللام في ليخرجكم من الظلمات إلى النور متعلق بـ يصلي أي : يعتني بأموركم هو و ملائكته ; ليخرجكم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعات ، ومن ظلمة الضلالة إلى نور الهدى ، ومعنى الآية : تثبيت المؤمنين على الهداية ودوامهم عليها ; لأنهم كانوا وقت الخطاب على الهداية .
ثم أخبر - سبحانه - برحمته للمؤمنين تأنيسا لهم وتثبيتا فقال : وكان بالمؤمنين رحيما وفي هذه الجملة تقرير لمضمون ما تقدمها .
ثم بين - سبحانه - أن هذه الرحمة منه لا تخص السامعين وقت الخطاب بل هي عامة لهم ولمن بعدهم وفي الدار الآخرة ، فقال : تحيتهم يوم يلقونه سلام أي : تحية المؤمنين من الله - سبحانه - يوم لقائهم له عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة هي التسليم عليهم منه - عز وجل - .
وقيل : المراد تحية بعضهم لبعض يوم يلقون ربهم سلام ، وذلك لأنه كان بالمؤمنين رحيما فلما شملتهم رحمته ، وأمنوا من عقابه حيا بعضهم بعضا سرورا واستبشارا .
والمعنى : سلام لنا من عذاب النار .
قال : المعنى فيسلمهم الله من الآفات ويبشرهم بالأمن من المخافات يوم يلقونه . الزجاج
وقيل : الضمير في يلقونه راجع إلى ملك الموت ، وهو الذي يحييهم كما ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه .
وقال مقاتل : هو تسليم الملائكة عليهم يوم يلقون الرب كما في قوله : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [ الرعد : 23 ، 24 ] وأعد لهم أجرا كريما أي : أعد لهم في الجنة رزقا حسنا ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم .
ثم ذكر - سبحانه - صفات رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - التي أرسله لها فقال : ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا أي : على أمته يشهد لمن صدقه وآمن به ، وعلى من كذبه وكفر به : قال مجاهد : شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم إليهم ومبشرا للمؤمنين برحمة الله وبما أعده لهم من جزيل الثواب وعظيم الأجر ونذيرا للكافرين والعصاة بالنار ، وبما أعده الله لهم من عظيم العقاب .
وداعيا إلى الله يدعو عباد الله إلى التوحيد والإيمان بما جاء به ، والعمل بما شرعه لهم ، ومعنى بإذنه بأمره له بذلك وتقديره ، وقيل : بتبشيره وسراجا منيرا أي : يستضاء به في ظلم الضلالة كما يستضاء بالمصباح في الظلمة .
قال : وسراجا أي : ذا سراج منير أي : كتاب نير ، وانتصاب شاهدا وما بعده على الحال . الزجاج
وبشر المؤمنين عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قال فاشهد وبشر ، أو فدبر أحوال الناس وبشر المؤمنين أو هو من عطف جملة على جملة ، وهي المذكورة سابقا ، ولا يمنع من ذلك الاختلاف بين الجملتين بالإخبار والإنشاء .
أمره - سبحانه - بأن يبشرهم بأن لهم من الله فضلا كبيرا على سائر الأمم ، وقد بين ذلك - سبحانه - بقوله : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير [ الشورى : 22 ] .
ثم نهاه - سبحانه - عن طاعة أعداء الدين ، فقال : ولا تطع الكافرين والمنافقين أي : لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين ، وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه ويشيرون به عليه ، وقد تقدم تفسير هذه الآية في أول السورة ودع أذاهم أي : لا تبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك في دين الله وشدتك على أعدائه ، أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم على ما يفعلونه من الأذى لك ، فالمصدر على الأول مضاف إلى الفاعل .
وعلى الثاني مضاف إلى المفعول ، وهي منسوخة بآية السيف وتوكل على الله في كل شئونك وكفى بالله وكيلا توكل إليه الأمور وتفوض إليه الشئون ، فمن فوض إليه أموره كفاه ، ومن وكل إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه .
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس اذكروا الله ذكرا كثيرا يقول : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، فقال : [ ص: 1174 ] اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ، بالليل والنهار ، في البر والبحر ، في السفر والحضر ، في الغنى والفقر ، وفي الصحة والسقم ، في السر والعلانية وعلى كل حال ، وقال : وسبحوه بكرة وأصيلا إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله : هو الذي يصلي عليكم وملائكته .
وقد ورد في فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة وقد صنف في الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة كالنسائي والنووي والجزري وغيرهم ، وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر ولذكر الله أكبر [ العنكبوت : 45 ] وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما في حديث عند أبي سعيد الخدري أحمد ، ، والترمذي والبيهقي . أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سئل : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا ، قلت : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل منه درجة
وأخرج أحمد عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي الدرداء . ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله - عز وجل -
وأخرجه أيضا الترمذي . وابن ماجه
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة . سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا
وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، ، وابن حبان والحاكم وصححه ، والبيهقي عن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : أبي سعيد الخدري . أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون
وأخرج عن الطبراني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ابن عباس . اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراءون
وورد في فضل التسبيح بخصوصه أحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، فمن ذلك حديث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة . من قال في يوم مائة مرة سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر
وأخرج أحمد ، ومسلم ، وغيرهم عن والترمذي قال : سعد بن أبي وقاص . كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : أيعجز أحدكم أن يكتسب في اليوم ألف حسنة ؟ فقال رجل : كيف يكتسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال : يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة
وأخرج في المصنف ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد في ذكر الموت وابن أبي الدنيا وأبو يعلى ، ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن في قوله : البراء بن عازب تحيتهم يوم يلقونه سلام قال : يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه .
وأخرج ، ابن أبي حاتم ، والطبراني وابن مردويه ، والخطيب ، عن وابن عساكر قال : ابن عباس ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .
وقد كان أمر عليا ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن ، فقال : انطلقا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، فإنها قد أنزلت علي ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا قال : شاهدا على أمتك ، ومبشرا بالجنة ، ونذيرا من النار ، وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجا منيرا بالقرآن . لما نزلت
وأخرج أحمد ، وغيرهما عن والبخاري قال : عطاء بن يسار فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في التوراة فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفاته في القرآن " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا تجزي بالسيئة السيئة ، ولكن تعفو وتصفح " زاد عبد الله بن عمرو بن العاص أحمد " ولن يقبضه الله حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا " . لقيت
وقد ذكر في صحيحه في البيوع هذا الحديث ، فقال : وقال البخاري سعيد عن هلال عن عطاء عن ، ولم يقل : عبد الله بن سلام ، وهذا أولى ، عبد الله بن عمرو هو الذي كان يسأل عن التوراة فيخبر بما فيها . فعبد الله بن سلام