لما ذكر فيما تقدم حال الذين كفروا وسوقهم إلى جهنم ، ذكر هنا فقال حال المتقين وسوقهم إلى الجنة وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا أي : ساقتهم الملائكة سوق إعزاز وتشريف وتكريم .
وقد سبق بيان معنى الزمر حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها جواب إذا محذوف .
قال تقديره : سعدوا وفتحت ، وأنشد قول الشاعر : المبرد
فلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب لو ، والتقدير : لكان أروح . وقال : القول عندي أن الجواب محذوف على تقدير : حتى إذا جاءوها ، وكانت هذه الأشياء التي ذكرت دخلوها فالجواب دخلوها وحذف لأن في الكلام دليلا عليه . الزجاج
وقال الأخفش [ ص: 1293 ] والكوفيون : الجواب فتحت والواو زائدة ، وهو خطأ عند البصريين ؛ لأن الواو من حروف المعاني فلا تزاد .
وقيل : إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله ، والتقدير : حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة بدليل قوله جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ ص : 50 ] وحذفت الواو في قصة أهل النار ، لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالا وترويعا .
ذكر معناه النحاس منسوبا إلى بعض أهل العلم ، قال : ولا أعلم أنه سبقه إليه أحد .
وعلى هذا القول تكون الواو واو الحال بتقدير قد أي : جاءوها وقد فتحت لهم الأبواب .
وقيل : إنها واو الثمانية ، وذلك أن من عادة العرب أنهم كانوا يقولون في العدد : خمسة ستة سبعة وثمانية ، وقد مضى القول في هذا في سورة براءة مستوفى وفي سورة الكهف أيضا .
ثم أخبر - سبحانه - أن فقال : خزنة الجنة يسلمون على المؤمنين وقال لهم خزنتها سلام عليكم أي : سلام لكم من كل آفة طبتم في الدنيا فلم تتدنسوا بالشرك والمعاصي .
قال مجاهد : طبتم بطاعة الله ، وقيل : بالعمل الصالح ، والمعنى واحد . قال مقاتل : إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه سلام عليكم الآية فادخلوها أي : ادخلوا الجنة خالدين أي : مقدرين الخلود .
فعند ذلك الحمد لله الذي صدقنا وعده بالبعث والثواب بالجنة قال أهل الجنة وأورثنا الأرض أي : أرض الجنة كأنها صارت من غيرهم إليهم فملكوها وتصرفوا فيها ، وقيل : إنهم ورثوا الأرض التي كانت لأهل النار لو كانوا مؤمنين . قاله أكثر المفسرين .
وقيل : إنها أرض الدنيا ، وفي الكلام تقديم وتأخير نتبوأ من الجنة حيث نشاء أي : نتخذ فيها من المنازل ما نشاء حيث نشاء فنعم أجر العاملين المخصوص بالمدح محذوف أي : فنعم أجر العاملين الجنة ، وهذا من تمام قول أهل الجنة . وقيل : هو من قول الله - سبحانه - .
وترى الملائكة حافين من حول العرش أي : محيطين محدقين به ، يقال : حف القوم بفلان إذا أطافوا به ، و من مزيدة قاله الأخفش ، أو للابتداء ، والمعنى : أن الرائي يراهم بهذه الصفة في ذلك اليوم ، وجملة يسبحون بحمد ربهم في محل نصب على الحال أي : حال كونهم مسبحين لله ملتبسين بحمده ، وقيل : معنى يسبحون يصلون حول العرش شكرا لربهم ، والحافين جمع حاف ، قاله الأخفش .
وقال الفراء : لا واحد له إذ لا يقع لهم هذا الاسم إلا مجتمعين وقضي بينهم بالحق أي : بين العباد بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار ، وقيل : بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق ، وقيل : بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب درجاتهم ، والأول أولى وقيل الحمد لله رب العالمين القائلون هم المؤمنون حمدوا الله على قضائه بينهم وبين أهل النار بالحق ، وقيل : القائلون هم الملائكة حمدوا الله - تعالى - على عدله في الحكم وقضائه بين عباده بالحق .
وقد أخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما من حديث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة أول زمرة يدخلون الجنة .
وأخرجا وغيرهما عن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : سهل بن سعد . في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى باب الريان لا يدخله إلا الصائمون
وقد ورد في كون ثمانية أبواب أحاديث في الصحيحين وغيرهما . أبواب الجنة
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : وأورثنا الأرض قال : أرض الجنة . وأخرج هناد عن أبي العالية مثله .