قوله : أحل لكم فيه دلالة على أن هذا الذي أحله الله كان حراما عليهم ، وهكذا كان كما يفيده السبب لنزول الآية وسيأتي .
والرفث : كناية عن الجماع .
قال الزجاج : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته ، وكذا قال الأزهري ، ومنه قول الشاعر :
ويرين من أنس الحديث زوانيا وبهن عن رفث الرجال نفار
وقيل الرفث : أصله قول الفحش ، رفث وأرفث : إذا تكلم بالقبيح ، وليس هو المراد هنا ، وعدي الرفث بإلى لتضمينه معنى الإمضاء ، وجعل النساء لباسا للرجال ، والرجال لباسا لهن لامتزاج كل واحد منهما بالآخر عند الجماع كالامتزاج الذي يكون بين الثوب ولابسه .قال أبو عبيدة وغيره : يقال للمرأة : لباس وفراش وإزار .
وقيل : إنما جعل كل واحد منهما لباسا للآخر لأنه يستره عند الجماع عن أعين الناس .
وقوله : تختانون أنفسكم أي تخونونها بالمباشرة في ليالي الصوم ، يقال : خان واختان بمعنى ، وهما من الخيانة .
قال القتيبي : أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه . انتهى .
وإنما سماهم خائنين لأنفسهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم . وقوله : فتاب عليكم يحتمل معنيين : أحدهما قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم ، والآخر التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة كقوله : علم أن لن تحصوه فتاب عليكم يعني خفف عنكم ، وكقوله : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله يعني تخفيفا ، وهكذا قوله : وعفا عنكم يحتمل العفو من الذنب ، ويحتمل التوسعة والتسهيل .
وقوله : وابتغوا قيل : هو الولد ، أي ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم وهو حصول النسل ، وقيل : المراد ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه . قاله المقصود من النكاح وغيره ، وقيل : ابتغوا الرخصة والتوسعة ، وقيل : ابتغوا ما كتب لكم من الإماء والزوجات ، وقيل غير ذلك مما لا يفيده النظم القرآني ، ولا دل عليه دليل آخر ، وقرأ الزجاج " واتبعوا " بالعين المهملة من الاتباع ، وقوله : الحسن البصري حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر هو تشبيه بليغ ، والمراد هنا بالخيط الأبيض : هو المعترض في الأفق ، لا الذي هو كذنب السرحان ، فإن الفجر الكاذب الذي لا يحل شيئا ولا يحرمه .
: سواد الليل ، والتبين : أن يمتاز أحدهما عن الآخر ، وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر . والمراد بالخيط الأسود
وقوله : ثم أتموا الصيام إلى الليل فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل ، فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب [ ص: 121 ] وغيرهما . يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب
وقوله : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قيل : هنا الجماع ، وقيل : تشمل التقبيل واللمس إذا كانا لشهوة لا إذا كانا لغير شهوة ، فهما جائزان كما قاله المراد بالمباشرة عطاء والشافعي وابن المنذر وغيرهم ، وعلى هذا يحتمل ما حكاه من الإجماع على أن ابن عبد البر لا يباشر ولا يقبل ، فتكون هذه الحكاية للإجماع مقيدة بأن يكونا لشهوة ، والاعتكاف في اللغة : الملازمة ، يقال عكف على الشيء : إذا لازمه ، ومنه قول الشاعر : المعتكف
وظل بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي حولهن صريع
: ملازمة طاعة مخصوصة على شرط مخصوص . والاعتكاف في الشرع
وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب ، وعلى أنه لا يكون إلا في مسجد ، وللاعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه وشروح الحديث .
وقوله : تلك حدود الله أي هذه الأحكام حدود الله .
وأصل الحد المنع ، ومنه سمي البواب والسجان حدادا ، وسميت الأوامر والنواهي حدود الله ، لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها ، وأن يخرج عنها ما هو منها ، ومن ذلك سميت الحدود حدودا لأنها تمنع أصحابها من العود .
ومعنى النهي عن قربانها النهي عن تعديها بالمخالفة لها ، وقيل : إن حدود الله هي محارمه فقط ، ومنها وغير ذلك مما سبق النهي عنه ، ومعنى النهي عن قربانها على هذا واضح . المباشرة من المعتكف والإفطار في رمضان لغير عذر
وقوله : كذلك يبين الله آياته أي كما بين لكم هذه الحدود يبين لكم العلامات الهادية إلى الحق وقد أخرج البخاري وأبو داود وغيرهم عن والنسائي قال : البراء بن عازب قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، فكان يومه ذلك يعمل في أرضه ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته ، فلما رأته نائما قالت : خيبة لك أنمت ؟ فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله : من الفجر ففرحوا بها فرحا شديدا . كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن
وأخرج أيضا من حديثه قال : لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، فكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله البخاري علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية .
وقد روي في بيان سبب نزول هذه الآية أحاديث عن جماعة من الصحابة نحو ما قاله البراء .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : ابن عباس كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام ، ثم قال : وإن أتى امرأته ، ثم أتى رسول الله فقال : يا رسول إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي ، وذكر ما وقع منه ، فنزل قوله تعالى : عمر بن الخطاب أحل لكم ليلة الصيام الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال : فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عمر بن الخطاب ، أحل لكم ليلة الصيام الآية . إن المسلمين كانوا في شهر رمضان ، إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام والشراب إلى مثلها من القابلة ، ثم إن أناسا من المسلمين أصابوا النساء والطعام في رمضان بعد العشاء ، منهم
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر من طرق عن وابن أبي حاتم قال : الرفث الجماع . ابن عباس
وأخرج ابن المنذر عن مثله . ابن عمر
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن قال : الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس هذا الجماع ، غير أن الله حيي كريم يكني بما شاء عما شاء . ابن عباس
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن في قوله : ابن عباس هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال : هن سكن لكم وأنتم سكن لهن .
وأخرج عن ابن أبي حاتم مجاهد في قوله : تختانون أنفسكم قال : تظلمون أنفسكم .
وأخرج عن ابن جرير في قوله : ابن عباس فالآن باشروهن قال : انكحوهن .
وأخرج ابن جرير عنه في قوله : وابن أبي حاتم وابتغوا ما كتب الله لكم قال : الولد .
وأخرج عن عبد بن حميد مجاهد وقتادة والضحاك مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله تعالى : ابن عباس وابتغوا ما كتب الله لكم قال : ليلة القدر .
وأخرج في تاريخه عن أنس مثله . البخاري
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن . سهل بن سعد
قال : أنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله من الفجر فعلموا أنه يعني الليل والنهار .
وفي الصحيحين وغيرهما أنه جعل تحت وساده خيطين أبيض وأسود ، وجعل ينظر إليهما فلا يتبين له الأبيض من الأسود ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : إن وسادك إذا لعريض ، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل عدي بن حاتم ، . عن
وفي رواية في وغيره أنه قال له : البخاري . إنك لعريض القفا
وفي رواية عند ابن جرير : " وابن أبي حاتم " وأخرج أنه ضحك منه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه .
وأخرج عن ابن جرير الربيع نحوه .
وأخرج عن ابن جرير نحوه . ابن عباس
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن قال : " إذا ابن عباس بطل اعتكافه ويستأنف " . جامع المعتكف
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : [ ص: 122 ] ابن عباس تلك حدود الله قال : يعني طاعة الله .
وأخرج عن ابن أبي حاتم الضحاك قال : حدود الله معصية الله ، يعني المباشرة في الاعتكاف .
وأخرج عن مقاتل أنها الجماع . ابن أبي حاتم
وأخرج أيضا عن في قوله : كذلك يعني هكذا يبين الله . سعيد بن جبير