وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
قوله : يسألونك سيأتي بيان من هم السائلون له صلى الله عليه وسلم ، والأهلة جمع هلال ، وجمعها باعتبار هلال كل شهر ، أو كل ليلة ، تنزيلا لاختلاف الأوقات منزلة اختلاف الذوات ، والهلال اسم لما يبدو في أول الشهر وفي آخره .
قال : هو هلال حتى يستدير ، وقيل : هو هلال حتى ينير بضوئه السماء وذلك ليلة السابع . الأصمعي
وإنما قيل له : هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه عند رؤيته ، ومنه استهل الصبي : إذا صاح ، واستهل وجهه وتهلل : إذا ظهر فيه السرور .
قوله : قل هي مواقيت للناس والحج فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال ونقصانه ، وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم ومعاملاتهم بها كالصوم والفطر والحج ومدة الحمل والعدة والإجارات والأيمان وغير ذلك ، ومثله قوله تعالى : لتعلموا عدد السنين والحساب والمواقيت جمع الميقات ، وهو الوقت .
وقراءة الجمهور والحج بفتح الحاء .
وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها في جميع القرآن .
قال : الحج بالفتح كالرد والشد ، وبالكسر كالذكر مصدران بمعنى ، وقيل : بالفتح مصدر ، وبالكسر الاسم . سيبويه
وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ، ولا يجوز فيه النسيء عن وقته ، ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه أو أخطأ وقتها أو وقت بعضها .
وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب ، أعني قوله : قل هي مواقيت من الأسلوب الحكيم ، وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب ، تنبيها على أنه الأولى بالقصد ، ووجه ذلك أنهم سألوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها ، فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة والنقصان لأجلها لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل ، وأحق بأن يتطلع لعلمه .
قوله : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة والجواب بأنها مواقيت للناس والحج : أن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه ، لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل ، وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم .
وقال أبو عبيدة : إن هذا من ضرب المثل ، والمعنى : ليس البر أن تسألوا الجهال ، ولكن البر التقوى واسألوا العلماء ، كما تقول : أتيت هذا الأمر من بابه ، وقيل : هو مثل في جماع النساء ، وأنهم أمروا بإتيانهن في [ ص: 123 ] القبل لا في الدبر ، وقيل غير ذلك .
والبيوت جمع بيت ، وقرئ بضم الباء وكسرها .
وقد تقدم تفسير التقوى والفلاح ، وسبق أيضا أن التقدير في مثل قوله : ولكن البر من اتقى ولكن البر بر من اتقى .
وقد أخرج بسند ضعيف عن ابن عساكر في قوله تعالى : ابن عباس يسألونك عن الأهلة قال : نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة .
وهما رجلان من الأنصار قالا : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد ؟ فنزلت يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس في حل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدد نسائهم والشروط التي إلى أجل .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير قتادة قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة لم جعلت ؟ فأنزل الله يسألونك عن الأهلة الآية ، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل دينهم .
وأخرج عن ابن أبي حاتم أبي العالية نحوه .
وأخرج عن ابن جرير نحوه . الربيع بن أنس
وقد روى ابن جرير عن وابن أبي حاتم نحوه . ابن عباس
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر . جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما
وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي بسند ضعيف عن والدارقطني طلق بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث . ابن عمر
وأخرج وغيره عن البخاري البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فنزلت وليس البر الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال : قريش تدعى الحمس ، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام ، الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه وكانت قطبة بن عامر الأنصاري ، فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر ، وإنه خرج معك من الباب ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت ، فقال : إني رجل أحمسي ، قال : فإن ديني دينك ، فأنزل الله الآية . كانت
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم نحوه . ابن عباس
وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة والتابعين .