أقسام الوقف
والوقف عند أكثر القراء ينقسم إلى أربعة أقسام : تام مختار ، وكاف جائز ، وحسن مفهوم ، وقبيح متروك .
وقسمه بعضهم إلى ثلاثة ، وأسقط الحسن . وقسمه آخرون إلى اثنين ، وأسقط الكافي والحسن .
هو الذي لا يتعلق بشيء مما بعده ، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ; كقوله تعالى : فالتام وأولئك هم المفلحون ( البقرة : 5 ) ، وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي كقوله : وأولئك هم المفلحون ( البقرة : 5 ) ثم يبتدئ بقوله : إن الذين كفروا ( البقرة : 6 ) ، وكذا : وأنهم إليه راجعون ( البقرة : 46 ) ثم يبتدئ بقوله : يابني إسرائيل ( البقرة : 47 ) .
وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة كقوله تعالى : وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( النمل : 34 ) [ ص: 507 ] هنا التمام ; لأنه انقضى كلام بلقيس ، ثم قال تعالى : وكذلك يفعلون ( النمل : 34 ) ، وهو رأس الآية .
كذلك عن الذكر بعد إذ جاءني هو التمام ; لأنه انقضاء كلام الظالم الذي هو أبي بن خلف ، ثم قال تعالى : وكان الشيطان للإنسان خذولا ، وهو رأس آية .
وقد يوجد بعدها كقوله تعالى : مصبحين وبالليل ( الصافات : 137 و 138 ) ، ( مصبحين ) رأس الآية ، ( وبالليل ) التمام ; لأنه معطوف على المعنى ، أي : والصبح وبالليل .
وكذلك ( يتكئون وزخرفا ) ( الزخرف : 34 و 35 ) رأس الآية : ( يتكئون ) ، ( وزخرفا ) هو التمام ; لأنه معطوف على ما قبله من قوله : سقفا ( الزخرف : 33 ) .
وآخر كل قصة وما قبل أولها ، وآخر كل سورة تام ، والأحزاب ، والأنصاف ، والأرباع ، والأثمان ، والأسباع ، والأتساع ، والأعشار ، والأخماس . وقبل ياء النداء وفعل الأمر والقسم ولامه دون القول ، و " الله " بعد رأس كل آية ، والشرط ما لم يتقدم جوابه ، و " كان الله " و " ذلك " و " لولا " غالبهن تام ما لم يتقدمهن قسم أو قول أو ما في معناه .
منقطع في اللفظ متعلق في المعنى ، فيحسن الوقف عليه والابتداء أيضا بما بعده نحو : والكافي حرمت عليكم أمهاتكم ( النساء : 23 ) هنا الوقف ، ثم يبتدئ بما بعد ذلك ، وهكذا باقي المعطوفات ، وكل رأس آية بعدها " لام كي " و " إلا " بمعنى " لكن " و " إن " المكسورة المشددة ، والاستفهام ، و " بل " و " ألا " المخففة ، و " السين " و " سوف " على التهدد ، و " نعم " و " بئس " و " كيلا " ، وغالبهن كاف ما لم يتقدمهن قول أو قسم ، وقيل : " أن " [ ص: 508 ] المفتوحة المخففة في خمسة لا غير : " البقرة " وأن تصوموا ( الآية : 184 ) ، وأن تعفوا الآية : 237 ) ، وأن تصدقوا ( الآية : 280 ) ، و " النساء " وأن تصبروا ( الآية : 25 ) ، و " النور " وأن يستعففن ( الآية : 60 ) .
هو الذي يحسن الوقوف عليه ، ولا يحسن الابتداء بما بعده ، لتعلقه به في اللفظ والمعنى نحو : والحسن الحمد لله رب العالمين ، و الرحمن الرحيم ، والوقف عليه حسن ; لأن المراد مفهوم ، والابتداء بقوله : رب العالمين ، و الرحمن الرحيم ، و مالك يوم الدين لا يحسن ; لأن ذلك مجرور ، والابتداء بالمجرور قبيح ; لأنه تابع .
هو الذي لا يفهم منه المراد ، نحو : والقبيح الحمد فلا يوقف عليه ، ولا على الموصوف دون الصفة ، ولا على البدل دون المبدل منه ، ولا على المعطوف دون المعطوف عليه نحو : كذبت ثمود وعاد ( الحاقة : 4 ) ، ولا على المجرور دون الجار .
وأقبح من هذا الوقف على قوله : لقد كفر الذين قالوا ( المائدة : 17 ) ، ومن يقل منهم ( الأنبياء : 29 ) ، والابتداء بقوله : إن الله هو المسيح ابن مريم ( المائدة : 17 ) ، إن الله ثالث ثلاثة ( المائدة : 73 ) ، إني إله ( الأنبياء : 29 ) ; لأن المعنى يستحيل بهذا في الابتداء ، ومن تعمده وقصد معناه فقد كفر . ومثله في القبح الوقف على فبهت الذي كفر والله ( البقرة : 258 ) ، و مثل السوء ولله ( النحل : 60 ) ، وشبهه ، ومثله : وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه ( النساء : 11 ) ، و إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى ( الأنعام : 36 ) .
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على النفي دون حروف الإيجاب نحو : لا إله إلا الله ( محمد : 19 ) ، وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا الإسراء : 105 ) ، وكذا وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( المائدة : 9 و 10 ) ، و الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا ( محمد : 1 و 2 ) ، [ ص: 509 ] فإن اضطر لأجل التنفس جاز ذلك ، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده ولا حرج .
وقال بعضهم : إن تعلقت الآية بما قبلها تعلقا لفظيا كان الوقف كافيا نحو : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ( الفاتحة : 6 و 7 ) ، وإن كان معنويا فالوقف على ما قبلها حسن كاف ، نحو : الحمد لله رب العالمين ( الفاتحة : 2 ) ، وإن لم يكن لا لفظيا ولا معنويا فتام ، كقوله : ولا هم يحزنون ( البقرة : 274 ) ، بعده : الذين يأكلون الربا ( البقرة : 275 ) ، وإن كانت الآية مضادة لما قبلها كقوله : أنهم أصحاب النار الذين يحملون العرش ( غافر : 6 و 7 ) ، فالوقف عليه قبيح .
واعلم أن وقف الواجب إذا وقفت قبل " والله " ثم ابتدأت بـ ( والله ) ، وهو الوقف الواجب كقوله تعالى : حذر الموت والله محيط بالكافرين ( البقرة : 19 ) .
وقال بعض النحويين : الجملة التأليفية إذا عرفت أجزاؤها وتكررت أركانها كان ما أدركه الحس في حكم المذكور ; فله أن يقف كيف شاء ، وسواء التام وغيره ; إلا أن الأحسن أن يوقف على الأتم وما يقدر به .
وذهب الجمهور إلى أن الوقف في التنزيل على ثمانية أضرب : تام ، وشبيه به ، وناقص ، وشبيه به ، وحسن ، وشبيه به ، وقبيح ، وشبيه به ، وصنفوا فيه تصانيف ، فمنها ما أثروه عن النحاة ، ومنها ما أثروه عن القراء ، ومنها ما استنبطوه ، ومنها ما اقتدوا فيه بالسنة فقط ; كالوقف على أواخر الآي ، وهي مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وذهب صاحب أبو يوسف القاضي أبي حنيفة إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن : التام ، والناقص ، والحسن ، والقبيح ، وتسميته بذلك بدعة ، ومتعمد الوقف على نحوه مبتدع ، [ ص: 510 ] قال : لأن القرآن معجز ، وهو كالقطعة الواحدة ، فكله قرآن وبعضه قرآن ، وكله تام حسن ، وبعضه تام حسن ، حكى ذلك النحوي عنه . أبو القاسم بن برهان