فصل
ومما يستثمر منه الأحكام
nindex.php?page=treesubj&link=28910تنبيه الخطاب .
وهو إما في الطلب كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ( الإسراء : 23 ) فنهيه عن القليل منبه على الكثير ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( النساء : 2 ) يدل على تحريم الإحراق والإتلاف .
وإما في الخبر :
فإما ما أن يكون بالتنبيه بالقليل على الكثير كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ( الزلزلة : 7 )
[ ص: 144 ] فنبه على أن الرطل والقنطار لا يضيع لك عنده ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=13ما يملكون من قطمير ( فاطر : 13 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ولا يظلمون نقيرا ( النساء : 124 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=49ولا يظلمون فتيلا ( النساء : 49 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ( يونس : 61 ) فإنه يدل على أن من لم يملك نقيرا أو قطميرا مع قلتهما ، فهو عن ملك ما فوقهما أولى . وعلم أن من لم يعزب عنه مثقال ذرة مع خفائه ودقته ، فهو بألا يذهب عنه الشيء الجليل الظاهر أولى .
وإما بالكثير على القليل ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ( آل عمران : 75 ) فهذا من التنبيه على أنه يؤدي إليك الدينار وما تحته ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ( آل عمران : 75 ) فهذا من الأول ; وهو التنبيه بالقليل على الكثير ; فدل بالتنبيه على أنك لا تأمنه بقنطار ، بعكس الأول .
ومثل قوله في فرش أهل الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54بطائنها من إستبرق ( الرحمن : 54 ) وقد علمنا أن أعلى ما عندنا هو الإستبرق الذي هو الخشن من الديباج ، فإذا كان بطائن [ فرش ] أهل الجنة ذلك ، فعلم أن وجوهها في العلو إلى غاية لا يعقل معناها .
وكذلك قوله في شراب أهل الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26ختامه مسك ( المطففين : 26 ) وإنما يرى من الكأس الختام ، وأعلى ما عندنا رائحة المسك ، وهو أدنى شراب أهل الجنة ; فليتبين اللبيب إذا كان الثفل الذي منه المسك ، أيش يكون حشو الكأس فيظهر فضل حشو الكأس بفضل الختام ، وهذا من التنبيه [ الخفي ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الذي باركنا حوله ( الإسراء : 1 ) فنبه على حصول البركة فيه من باب أولى .
واعلم أن هذا النوع البديع ينظر إليه من ستر رقيق ، وطريق تحصيله فهم المعنى
[ ص: 145 ] وتقييده من سياق الكلام كما في آية التأفيف ; فإنا نعلم أن الآية إنما سيقت لاحترام الوالدين وتوقيرهما ، ففهمنا منه تحريم الشتم والضرب ، ولو لم يفهم المعنى لا يلزم ذلك ; لأن الملك الكبير يتصور أن يقول لبعض عبيده : اقتل قرني ولا تقل له : أف ; ويكون قصده الأمن عن مزاحمته في الملك ; فثبت أن ذلك إنما جاء لفهم المعنى .
فإن قيل : فإذا ابتنى الفهم على تخيل المعنى كان بطريق القياس كما صار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
قيل : ما يتأخر من نظم الكلام وما يتقدم فهمه على اللفظ ويقترن به لا يكون قياسا حقيقيا ; لأن القياس ما يحتاج فيه إلى استنباط وتأمل ، فإن أطلق القائل بأنه قياس اسم القياس عليه وأراد ما ذكرناه فلا مضايقة في التسمية .
فَصْلٌ
وَمِمَّا يُسْتَثْمَرُ مِنْهُ الْأَحْكَامُ
nindex.php?page=treesubj&link=28910تَنْبِيهُ الْخِطَابِ .
وَهُوَ إِمَّا فِي الطَّلَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ( الْإِسْرَاءِ : 23 ) فَنَهْيُهُ عَنِ الْقَلِيلِ مُنَبِّهٌ عَلَى الْكَثِيرِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ( النِّسَاءِ : 2 ) يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِحْرَاقِ وَالْإِتْلَافِ .
وَإِمَّا فِي الْخَبَرِ :
فَإِمَّا مَا أَنْ يَكُونَ بِالتَّنْبِيهِ بِالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا ( الزَّلْزَلَةِ : 7 )
[ ص: 144 ] فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الرِّطْلَ وَالْقِنْطَارَ لَا يَضِيعُ لَكَ عِنْدَهُ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=13مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ( فَاطِرٍ : 13 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ( النِّسَاءِ : 124 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=49وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ( النِّسَاءِ : 49 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ( يُونُسَ : 61 ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نَقِيرًا أَوْ قِطْمِيرًا مَعَ قِلَّتِهِمَا ، فَهُوَ عَنْ مِلْكِ مَا فَوْقَهُمَا أَوْلَى . وَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مَعَ خَفَائِهِ وَدِقَّتِهِ ، فَهُوَ بِأَلَّا يَذْهَبَ عَنْهُ الشَّيْءُ الْجَلِيلُ الظَّاهِرُ أَوْلَى .
وَإِمَّا بِالْكَثِيرِ عَلَى الْقَلِيلِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ( آلِ عِمْرَانَ : 75 ) فَهَذَا مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَيْكَ الدِّينَارَ وَمَا تَحْتَهُ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ( آلِ عِمْرَانَ : 75 ) فَهَذَا مِنَ الْأَوَّلِ ; وَهُوَ التَّنْبِيهُ بِالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ ; فَدَلَّ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّكَ لَا تَأْمَنُهُ بِقِنْطَارٍ ، بِعَكْسِ الْأَوَّلِ .
وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي فُرُشِ أَهْلِ الْجَنَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ( الرَّحْمَنِ : 54 ) وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَعْلَى مَا عِنْدَنَا هُوَ الْإِسْتَبْرَقُ الَّذِي هُوَ الْخَشِنُ مِنَ الدِّيبَاجِ ، فَإِذَا كَانَ بَطَائِنُ [ فُرُشِ ] أَهْلِ الْجَنَّةِ ذَلِكَ ، فَعُلِمَ أَنَّ وُجُوهَهَا فِي الْعُلُوِّ إِلَى غَايَةٍ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26خِتَامُهُ مِسْكٌ ( الْمُطَفِّفِينَ : 26 ) وَإِنَّمَا يُرَى مِنَ الْكَأْسِ الْخِتَامُ ، وَأَعْلَى مَا عِنْدَنَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ ، وَهُوَ أَدْنَى شَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ; فَلْيَتَبَيَّنِ اللَّبِيبُ إِذَا كَانَ الثُّفْلُ الَّذِي مِنْهُ الْمِسْكُ ، أَيْشِ يَكُونُ حَشْوُ الْكَأْسِ فَيَظْهَرُ فَضْلُ حَشْوِ الْكَأْسِ بِفَضْلِ الْخِتَامِ ، وَهَذَا مِنَ التَّنْبِيهِ [ الْخَفِيِّ ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ( الْإِسْرَاءِ : 1 ) فَنَبَّهَ عَلَى حُصُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْبَدِيعَ يُنْظَرُ إِلَيْهِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ ، وَطَرِيقُ تَحْصِيلِهِ فَهْمُ الْمَعْنَى
[ ص: 145 ] وَتَقْيِيدُهُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ كَمَا فِي آيَةِ التَّأْفِيفِ ; فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا سِيقَتْ لِاحْتِرَامِ الْوَالِدَيْنِ وَتَوْقِيرِهِمَا ، فَفَهِمْنَا مِنْهُ تَحْرِيمَ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ ، وَلَوْ لَمْ يُفْهَمِ الْمَعْنَى لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَلِكَ الْكَبِيرَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ لِبَعْضِ عَبِيدِهِ : اقْتُلْ قِرْنِي وَلَا تَقُلْ لَهُ : أُفٍّ ; وَيَكُونُ قَصْدُهُ الْأَمْنَ عَنْ مُزَاحَمَتِهِ فِي الْمُلْكِ ; فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا ابْتَنَى الْفَهْمَ عَلَى تَخَيُّلِ الْمَعْنَى كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا صَارَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
قِيلَ : مَا يَتَأَخَّرُ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ وَمَا يَتَقَدَّمُ فَهْمُهُ عَلَى اللَّفْظِ وَيَقْتَرِنُ بِهِ لَا يَكُونُ قِيَاسًا حَقِيقِيًّا ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اسْتِنْبَاطٍ وَتَأَمُّلٍ ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ اسْمَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَأَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا مُضَايَقَةَ فِي التَّسْمِيَةِ .