[ ص: 151 ] النوع الرابع والثلاثون
معرفة ناسخه من منسوخه
والعلم به عظيم الشأن وقد صنف فيه . . . [ ص: 152 ] جماعة كثيرون منهم قتادة بن دعامة السدوسي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأبو داود السجستاني ، وأبو جعفر النحاس ، وهبة الله بن سلام الضرير ، وابن [ ص: 153 ] العربي ، وابن الجوزي ، وابن الأنباري ، ومكي ، وغيرهم .
[ ص: 154 ] [ ص: 155 ] [ ص: 156 ] [ ص: 157 ] [ ص: 158 ] ومن ظريف ما حكي في كتاب هبة الله أنه قال في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( الإنسان : 8 ) منسوخ من هذه الجملة ( وأسيرا ) والمراد بذلك أسير المشركين ، فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع ، فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت : أخطأت يا أبت في هذا الكتاب ! فقال لها : وكيف يا بنية ؟ قالت : أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا .
قال الأئمة : ولا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ ، وقد قال لقاص : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : الله أعلم ، قال : هلكت وأهلكت . علي بن أبي طالب
[ ص: 159 ] بمعنى الإزالة ، ومنه قوله تعالى : والنسخ يأتي فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ( الحج : 52 ) .
ويأتي بمعنى التبديل كقوله : وإذا بدلنا آية مكان آية ( النحل : 101 ) .
وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث يعني تحويل الميراث من واحد إلى واحد .
ويأتي بمعنى النقل من موضع إلى موضع ، ومنه : ( نسخت الكتاب ) إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه ، قال مكي : وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن وأنكر على النحاس إجازته ذلك محتجا بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وإنما يأتي بلفظ آخر ، وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي : يشهد لما قاله النحاس ، قوله تعالى : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( الجاثية : 29 ) ، وقال : وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( الزخرف : 4 ) ومعلوم أن ما نزل من الوحي نجوما جميعه في أم الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ كما قال : في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ( الواقعة : 78 ، 79 ) .
ثم اختلف العلماء فقيل : المنسوخ ما رفع تلاوة تنزيله ، كما رفع العمل به . ورد بما نسخ الله من التوراة بالقرآن والإنجيل وهما متلوان .
[ ص: 160 ] وقيل : لا يقع النسخ في قرآن يتلى وينزل . والنسخ مما خص الله به هذه الأمة في حكم من التيسير . ويفر هؤلاء من القول بأن الله ينسخ شيئا بعد نزوله والعمل به وهذا مذهب اليهود في الأصل ، ظنا منهم أنه بداء ، كالذي يرى الرأي ثم يبدو له ; وهو باطل ، لأنه بيان مدة الحكم ، ألا ترى الإحياء بعد الإماتة وعكسه ، والمرض بعد الصحة وعكسه ، والفقر بعد الغنى وعكسه ، وذلك لا يكون بداء ، فكذا الأمر والنهي .
وقيل : إن الله تعالى نسخ القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب ، فأنزله على نبيه ، والنسخ لا يكون إلا من أصل .
والصحيح . جواز النسخ ووقوعه سمعا وعقلا
ثم اختلفوا ، فقيل : لا ينسخ قرآن إلا بقرآن لقوله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( البقرة : 106 ) ، قالوا : ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن .
وقيل : بل السنة لا تنسخ السنة .
وقيل : السنة إذا كانت بأمر الله من طريق الوحي نسخت ، وإن كانت باجتهاد فلا تنسخه ، حكاه في تفسيره . ابن حبيب النيسابوري
وقيل : بل إحداهما تنسخ الأخرى ، ثم اختلفوا فقيل : الآيتان إذا أوجبتا حكمين مختلفين وكانت إحداهما متقدمة الأخرى ، فالمتأخرة ناسخة للأولى ، كقوله [ ص: 161 ] تعالى : إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ( البقرة : 180 ) ثم قال بعد ذلك : ولأبويه لكل واحد منهما السدس ( النساء : 11 ) ، وقال : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ( النساء : 11 ) قالوا : فهذه ناسخة للأولى ، ولا يجوز أن يكون لهما الوصية والميراث .
وقيل : بل ذلك جائز ، وليس فيهما ناسخ ولا منسوخ ، وإنما نسخ الوصية للوارث بقوله عليه السلام : لا وصية لوارث وقيل : ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة .
[ ص: 162 ] ويجوز فيصير الناسخ منسوخا ، وذلك كقوله : نسخ الناسخ لكم دينكم ولي دين ( الكافرون : 6 ) نسخها بقوله تعالى : فاقتلوا المشركين ( التوبة : 5 ) ثم نسخ هذه أيضا بقوله : حتى يعطوا الجزية عن يد ( التوبة : 29 ) ، وقوله : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ( البقرة : 109 ) وناسخه قوله تعالى : فاقتلوا المشركين ( التوبة : 5 ) ، ثم نسخها : حتى يعطوا الجزية ( التوبة : 29 ) .