فصل
ومما استشكلوه قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ( الكهف : 55 ) [ ص: 193 ] فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين ، وقد قال تعالى في الآية الأخرى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ( الإسراء : 94 ) فهذا حصر في ثالث غيرهما .
وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية : وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنة من الخسف وغيره ، أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة ، فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين . ولا شك أن إرادة الله تعالى مانعة من وقوع ما ينافي المراد ، فهذا حصر في السبب الحقيقي ; لأن الله هو المانع في الحقيقة ، ومعنى الآية الثانية وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا استغراب بعثه بشرا رسولا ; لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان ; لأنه يصلح لذلك ، وهو يدل على الاستغراب بالالتزام وهو المناسب للمانعية ، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا ، لجواز خلو الإيمان معه ; بخلاف إرادة الله تعالى ، فهذا حصر في المانع العادي ، والأولى حصر في المانع الحقيقي ، فلا تنافي ، انتهى .
وقوله : ( ليس مانعا من الإيمان ) فيه نظر ; لأن إنكارهم بعثه بشرا رسولا كفر مانع من الإيمان ، وفيه تعظيم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإن إنكارهم بعثته مانع من الإيمان .