[ ص: 218 ] النوع الثامن والثلاثون
nindex.php?page=treesubj&link=18626_31011_28899معرفة إعجازه
وقد اعتنى بذلك الأئمة ، وأفردوه بالتصنيف ; منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر بن الباقلاني ، قال
[ ص: 219 ] [ ص: 220 ] [ ص: 221 ] [ ص: 222 ] [ ص: 223 ] ابن العربي : ولم يصنف مثله ، وكتاب
الخطابي ،
والرماني ، . . . . . . . . .
[ ص: 224 ] والبرهان
لعزيزي وغيرهم .
وهو علم جليل القدر ، عظيم القدر ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=31011_18626_28899نبوة النبي صلى الله عليه وسلم معجزتها الباقية القرآن ، وهو يوجب الاهتمام بمعرفة الإعجاز ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ( إبراهيم : 1 ) ، وقال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( التوبة : 6 ) فلولا أن سماعه إياه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ، ولا تكون حجة إلا وهي معجزة ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( العنكبوت : 50 و 51 ) فأخبر أن الكتاب آية من آياته ، وأنه كاف في الدلالة ، قائم مقام معجزات غيره وآيات سواه من الأنبياء .
ولما جاء به صلى الله عليه وسلم إليهم - وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء - تحداهم على أن يأتوا بمثله وأمهلهم طول السنين ، فلم يقدروا ، يقال تحدى فلان فلانا إذا دعاه إلى أمر ليظهر عجزه فيه ونازعه الغلبة في قتال أو كلام غيره ، ومنه " أنا حدياك " ، أي ابرز لي وحدك .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18626_31011_25029_28899النبي صلى الله عليه وسلم تحدى العرب قاطبة بالقرآن حين قالوا : افتراه ، فأنزل الله عز وجل عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=13أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ( هود : 13 ) فلما عجزوا عن الإتيان بعشر سور تشاكل القرآن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قل فأتوا بسورة مثله ( يونس : 38 ) ثم كرر هذا فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ( البقرة : 23 ) أي من كلام مثله ، وقيل : من بشر مثله ، ويحقق القول الأول
[ ص: 225 ] الآيتان السابقتان ; فلما عجزوا عن أن يأتوا بسورة تشبه القرآن على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( الإسراء : 88 ) فقد ثبت أنه تحداهم به ، وأنهم لم يأتوا بمثله لعجزهم عنه ، لأنهم لو قدروا على ذلك لفعلوا ، ولما عدلوا إلى العناد تارة والاستهزاء أخرى ، فتارة قالوا : ( سحر ) ، وتارة قالوا : ( شعر ) ، وتارة قالوا : ( أساطير الأولين ) ; كل ذلك من التحير والانقطاع .
قال
ابن أبي طالب مكي في ( اختصاره نظم القرآن
للجرجاني ) قال المؤلف : أنزله بلسان عربي مبين بضروب من النظم مختلفة على عادات العرب ، ولكن الأعصار تتغير وتطول ، فيتغير النظم عند المتأخرين لقصور أفهامهم ، والنظر كله جار على لغة العرب ، ولا يجوز أن ينزله على نظم ليس من لسانهم ; لأنه لا يكون حجة عليهم بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ( يونس : 38 ) ، وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ( يونس : 39 ) فأخبر أنهم لم يعلموه لجهلهم به ; وهو كلام عربي .
قال
أبو محمد : لا يحتمل أن يكون جهلهم إلا من قبل أنهم أعرضوا عن قبوله ، ولا يجوز أن يكون نزل بنظم لم يعرفوه ; إذ لا يكون عليهم حجة ، وجهلنا بالنظم لتأخرنا عن رتب القوم الذي نزل عليهم جائز ، ولا يمنع . فمن نزل عليهم كان يفهمه إذا تدبره لأنه بلغته ، ونحن إنما نفهم بالتعليم ، انتهى .
وهذا الذي قاله مشكل ، فإن كبار الصحابة رضي الله عنهم حفظوا البقرة في مدة متطاولة ; لأنهم كانوا يحفظون مع التفهم .
nindex.php?page=treesubj&link=18626_28899وإعجاز القرآن ذكر من وجهين :
أحدهما :
[ ص: 226 ] إعجاز متعلق بنفسه . والثاني : بصرف الناس عن معارضته .
ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز ، واختلفوا في إعجازه ، فقيل : إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات ، وإن العرب كلفت في ذلك ما لا تطيق ، وفيه وقع عجزها . والجمهور على أنه إنما وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ .
فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصح التحدي بشيء مع جهل المخاطب بالجهة التي وقع بها التحدي ، ولا يتجه قول القائل لمثله : إن صنعت خاتما كنت قادرا على أن تصنع مثله ; إلا بعد أن يمكنه من الجهة التي تدعي عجز المخاطب عنها .
فنقول : الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته ، أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف ، أو إلى مدلوله أو إلى المجموع ، أو إلى أمر خارج عن ذلك ، لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم المفردة فقط ; لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها ; ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتألف فقط ; لأنه يحوج إلى ما تعاطاه
مسيلمة من الحماقة : ( إنا أعطيناك الجواهر . فصل لربك وهاجر . إن شانئك هو الكافر ) .
ولو كان الإعجاز راجعا إلى الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم ، ولا جائز أن يقع بالنسبة إلى المعاني فقط ; لأنها ليست من صنيع البشر وليس لهم قدرة على إظهارها ، من غير ما يدل عليها ، وأيضا لقالوا : لقد قلنا مثله ولكن لم نلفظ بما يدل عليه ، ولا جائز أن ترجع إلى المجموع لأنا قد بينا بطلانه بالنسبة إلى كل واحد ، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج غير ذلك .
[ ص: 218 ] النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_31011_28899مَعْرِفَةُ إِعْجَازِهِ
وَقَدِ اعْتَنَى بِذَلِكَ الْأَئِمَّةُ ، وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ ; مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ ، قَالَ
[ ص: 219 ] [ ص: 220 ] [ ص: 221 ] [ ص: 222 ] [ ص: 223 ] ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَلَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهُ ، وَكِتَابُ
الْخَطَّابِيِّ ،
وَالرُّمَّانِيِّ ، . . . . . . . . .
[ ص: 224 ] وَالْبُرْهَانُ
لِعَزِيزِيِّ وَغَيْرُهُمْ .
وَهُوَ عِلْمٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ ، عَظِيمُ الْقَدْرِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31011_18626_28899نُبُوَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَتُهَا الْبَاقِيَةُ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ يُوجِبُ الِاهْتِمَامَ بِمَعْرِفَةِ الْإِعْجَازِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( إِبْرَاهِيمَ : 1 ) ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ( التَّوْبَةِ : 6 ) فَلَوْلَا أَنَّ سَمَاعَهُ إِيَّاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقِفْ أَمْرُهُ عَلَى سَمَاعِهِ ، وَلَا تَكُونُ حُجَّةً إِلَّا وَهِيَ مُعْجِزَةٌ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ( الْعَنْكَبُوتِ : 50 وَ 51 ) فَأَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ ، وَأَنَّهُ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ ، قَائِمٌ مَقَامَ مُعْجِزَاتِ غَيْرِهِ وَآيَاتِ سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
وَلَمَّا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ - وَكَانُوا أَفْصَحَ الْفُصَحَاءِ وَمَصَاقِعَ الْخُطَبَاءِ - تَحَدَّاهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَأَمْهَلَهُمْ طُولَ السِّنِينَ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا ، يُقَالُ تَحَدَّى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا دَعَاهُ إِلَى أَمْرٍ لِيُظْهِرَ عَجْزَهُ فِيهِ وَنَازَعَهُ الْغَلَبَةَ فِي قِتَالٍ أَوْ كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَمِنْهُ " أَنَا حُدَيَّاكَ " ، أَيِ ابْرُزْ لِي وَحْدَكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_31011_25029_28899النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَدَّى الْعَرَبَ قَاطِبَةً بِالْقُرْآنِ حِينَ قَالُوا : افْتَرَاهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=13أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ( هُودٍ : 13 ) فَلَمَّا عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ تُشَاكِلُ الْقُرْآنَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ( يُونُسَ : 38 ) ثُمَّ كَرَّرَ هَذَا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ( الْبَقَرَةِ : 23 ) أَيْ مِنْ كَلَامٍ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ : مِنْ بِشَرٍ مِثْلِهِ ، وَيُحَقِّقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ
[ ص: 225 ] الْآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ ; فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ تُشْبِهُ الْقُرْآنَ عَلَى كَثْرَةِ الْخُطَبَاءِ فِيهِمْ وَالْبُلَغَاءِ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( الْإِسْرَاءِ : 88 ) فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَحَدَّاهُمْ بِهِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهُ ، لِأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ لَفَعَلُوا ، وَلَمَا عَدَلُوا إِلَى الْعِنَادِ تَارَةً وَالِاسْتِهْزَاءِ أُخْرَى ، فَتَارَةً قَالُوا : ( سِحْرٌ ) ، وَتَارَةً قَالُوا : ( شِعْرٌ ) ، وَتَارَةً قَالُوا : ( أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) ; كُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّحَيُّرِ وَالِانْقِطَاعِ .
قَالَ
ابْنُ أَبِي طَالِبٍ مَكِّيٌّ فِي ( اخْتِصَارِهِ نَظْمَ الْقُرْآنِ
لِلْجُرْجَانِيِّ ) قَالَ الْمُؤَلِّفَ : أَنْزَلَهُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ بِضُرُوبٍ مِنَ النَّظْمِ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى عَادَاتِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنِ الْأَعْصَارُ تَتَغَيَّرُ وَتَطُولُ ، فَيَتَغَيَّرُ النَّظْمُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقُصُورِ أَفْهَامِهِمْ ، وَالنَّظَرُ كُلُّهُ جَارٍ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْزِلَهُ عَلَى نَظْمٍ لَيْسَ مِنْ لِسَانِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ( يُونُسَ : 38 ) ، وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ( يُونُسَ : 39 ) فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ لِجَهْلِهِمْ بِهِ ; وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ .
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ : لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهْلُهُمْ إِلَّا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ قَبُولِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِنَظْمٍ لَمْ يَعْرِفُوهُ ; إِذْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَجَّةً ، وَجَهْلُنَا بِالنَّظْمِ لِتَأَخُّرِنَا عَنْ رُتَبِ الْقَوْمِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَائِزٌ ، وَلَا يُمْنَعُ . فَمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ كَانَ يَفْهَمُهُ إِذَا تَدَبَّرَهُ لِأَنَّهُ بِلُغَتِهِ ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَفْهَمُ بِالتَّعْلِيمِ ، انْتَهَى .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَفِظُوا الْبَقَرَةَ فِي مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْفَظُونَ مَعَ التَّفَهُّمِ .
nindex.php?page=treesubj&link=18626_28899وَإِعْجَازُ الْقُرْآنِ ذُكِرَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا :
[ ص: 226 ] إِعْجَازٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ . وَالثَّانِي : بِصَرْفِ النَّاسِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ .
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُعْجِزٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْجَازِهِ ، فَقِيلَ : إِنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الذَّاتِ ، وَإِنَّ الْعَرَبَ كُلِّفَتْ فِي ذَلِكَ مَا لَا تُطِيقُ ، وَفِيهِ وَقَعَ عَجْزُهَا . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ بِالدَّالِّ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ .
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَدِّي بِشَيْءٍ مَعَ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِالْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا التَّحَدِّي ، وَلَا يَتَّجِهُ قَوْلُ الْقَائِلِ لِمِثْلِهِ : إِنْ صَنَعْتَ خَاتَمًا كُنْتَ قَادِرًا عَلَى أَنْ تَصْنَعَ مِثْلَهُ ; إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي تَدَّعِي عَجْزَ الْمُخَاطَبِ عَنْهَا .
فَنَقُولُ : الْإِعْجَازُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِمَّا أَنْ يَعْنِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاتِهِ ، أَوْ إِلَى عَوَارِضِهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالتَّأْلِيفِ ، أَوْ إِلَى مَدْلُولِهِ أَوْ إِلَى الْمَجْمُوعِ ، أَوْ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَلِكَ ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ ذَوَاتِ الْكَلِمِ الْمُفْرَدَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ قَاطِبَةً كَانُوا يَأْتُونَ بِهَا ; وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ وَقَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَوَارِضِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالتَّأَلُّفِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ يُحْوِجُ إِلَى مَا تَعَاطَاهُ
مُسَيْلِمَةُ مِنَ الْحَمَاقَةِ : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَوَاهِرْ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْكَافِرْ ) .
وَلَوْ كَانَ الْإِعْجَازُ رَاجِعًا إِلَى الْإِعْرَابِ وَالتَّأْلِيفِ الْمُجَرَّدِ لَمْ يَعْجِزْ صَغِيرُهُمْ عَنْ تَأْلِيفِ أَلْفَاظٍ مُعْرَبَةٍ فَضْلًا عَنْ كَبِيرِهِمْ ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَقَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي فَقَطْ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَنِيعِ الْبَشَرِ وَلَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى إِظْهَارِهَا ، مِنْ غَيْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَأَيْضًا لَقَالُوا : لَقَدْ قُلْنَا مِثْلَهُ وَلَكِنْ لَمْ نَلْفِظْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَا جَائِزَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ غَيْرِ ذَلِكَ .